ولم يقل سمينوف شيئا وإنما أصغى.
ثم أخذ يوري يندب عدم وجود الروح الثورية بين الجماهير، وكان من الواضح الجلي أنه يتألم من ذلك أعمق الألم.
ثم سأله صاحبه: «هل قرأت آخر خطبة ألقاها بيل؟» - «نعم قرأتها.» - «ما قولك فيها؟»
فلوح سمينوف بعصاه تلويح المتضايق، وكان لها رأس ملتو وحاكاه خياله فرفع ذراعا طويلة سوداء ثم وضعها فمثلت لذهن يوري صورة أجنحة سوداء يخفق بها طير جارح ثائر.
ولوح بعصاه وحاكاه ظله.
ورأى سمينوف ذلك في هذه المرة فقال: «انظر! ها هنا ورائي يقف الموت يرصد مني كل حركة! ما أنا وبيل؟ إن هو إلا ثرثارة يهذي في هذا. وسيجيء مائق غيره يهذر عن ذلك. وسواء على هذا وذلك؟ وإذا لم أمت اليوم فسأموت غدا.»
فلم يجب يوري واضطرب وتألم.
ومضى سمينوف في كلامه: «وأنت مثلا تحسب هذا الذي يجرى في الجامعة وما يقوله بيل مهما، ولكن الذي أراه هو أنك إذا أيقنت - كما أنا موقن - أنك ستموت، فلن تكترث لما يقوله بيل أو نيتشة أو تولستوي أو غير هؤلاء.»
وصمت سمينوف وكان القمر لا يزال بريق ضوئه خلف الرفيقين الخيال الأسود يتعقبهما.
ثم قال سمينوف فجأة بصوت آخر هزيل شاك: «إني مقضي علي ... ولو كنت تدري كيف فزعي من الموت ... لا سيما في ليلة قمراء رقيقة الحواشي كهذه.»
صفحة غير معروفة