وكانت أبدا تبدو له أبرع من غيرها من النساء اللواتي لم يشعر في حضرتهن إلا بأنه أسمى منهن وأرقى. وهي من الاختلاف عنهن ومن الشموخ بحيث كان يتوقع إذا قبلها أن تلكمه بجمع يدها على أذنه.
فكادت فكرة احتيازها تبيت مزعجة ومرت به أحيان اعتقد فيها أنها إنما تعبث به، فكان موقفه في نظره غاية السخافة والحمق.
أما اليوم بعد هذا الوعد الذي قطعته له مترددة متلعثمة كغيرها من النساء فقد صار على يقين من قوته ومن وشك الظفر، ولم يبق عنده من ريب في أن الأمور ستجري على ما يحب. واختلط عنده الاحساس الناشئ عن انتظار مواقعة اللذات بشيء من الكيد. هذه الفتاة الطاهرة المهذبة المزهوة ينبغي أن تبذل له نفسها كما فعل سواها وسيستمتع بها وفق هواه كما استمتع بغيرها.
ومثلت لعينه مناظر مما صورت الشهوة والانحطاط: وصارت ليدا في خياله - عارية متهدلة الشعر حول عينين ما من سبيل إلى سبر غورهما - الصورة البارزة فيما حرك أشباحه قصف الشهوة والقسوة المضطرب. ثم بدت له فجأة على أوضح صورة منطرحة على الأرض وسك مسمعه هزم السوط وأخذت عينه خطا داميا على جسمها العريان اللين الخاضع، فنبض رأسه لهذه الصورة وتطرح متراجعا ورقصت لعينيه شرارات نار، وعادت وطأة الفكرة أثقل مما يطاق وارتعشت يده وهو يشعل سيجارة وتلوت أعضاؤه القوية تلوي التشنج ثم دخل الغرفة.
وكان سانين لم يسمع شيئا إلا أنه رأى وفهم كل شيء فتبعه وفي نفسه مثل الغيرة وقال لنفسه: «أمثال هذا الوحش يمالئهم الحظ دائما. ماذا ترى معنى هذا كله؟ ماذا يهمان به هو وليدا؟»
ولما جلسوا إلى العشاء كانت ماريا إيفانوفنا غير مرتاحة على ما يظهر ولم يقل تاناروف شيئا - كعادته - ولكنه كان يتمنى أن يكون سارودين وأن تكون له عشيقة مثل ليدا تحبه. إذن لأحبها ولكن على طريقة أخرى فإن سارودين - في رأيه - لا يحسن تقدير حسن حظه.
وكانت ليدا ممتقعة صامتة لا تنظر إلى أحد.
أما سارودين فكان جذلا طروبا متحفزا كالوحش استروح فريسته.
وجلس سانين يتثاءب على عادته، وأكل وشرب كثيرا من النبيذ، وكأنما كان يريد أن ينام، ولكن العشاء لم يكد ينتهي حتى أعلن عزمه على مرافقة سارودين إلى مسكنه.
وكان الليل قد أوشك أن ينتصف والقمر يصب ضوءه على رأسيهما، وهما سائران في صمت إلى ثكنة الضابط.
صفحة غير معروفة