تعتذر بتمتمة، وتعاود جر طفلها الباكي، تسر له بمكافأته بقطعة حلوى إذا ما كف عن صراخه وهرجه.
بلهفة، تحادث الموظف البنكي المتشبث بسطوته. يخيب رجاءها بلا مبالاة، ويبلغها من خلف حاجزه الزجاجي أن حوالة زوجها المسافر لم تصل. ورغم توسلاتها لمراجعة بياناته، يخرسها النداء الإلكتروني بدعوة الرقم التالي. تتراجع وأطراف أصابعها تتحامل على الحاجز الزجاجي ، وكأنها تشكو إليه حظها.
أسأم الوجوه، فأداعب أصابعي حينا، ويتراقص جسدي على وقع ألحان سماعتي أذني حينا آخر، وحينما أنتبه لفضول جاري المسن بلحيته الصغيرة ونظراته المستنكرة، أطلق بلا مبالاة سراح عيني للحائط الرمادي الذي يشبه ملامح الموظفين الباردة.
ترتطم نظراتي بإعلانات متشددة لغسل المخ والجيوب، «كيف تسترد 20٪ من مشترياتك؟» الأمر يتوقف على مدى استنزافك. و«كن من الفائزين الستة أسبوعيا»، وشاشات أسعار العملات التي تذكرك بانهيارات دولتك العتيقة.
تتقلص هوة الأرقام تدريجيا، بعد هروب/نجاة عدد من العملاء. يزداد توتري وتململي مع تتابع الدقات الإلكترونية الرتيبة المفتتة للأعصاب كانتظارها. فجأة، يموت الصوت الإلكتروني، وتتوقف الرنات، وتعتم الشاشات، وبهدوء يعلن الموظف انقطاع التيار الكهربائي في البنك.
الوجه الخيزراني
بيدين مرتعشتين، أتمسك بطرف السجادة. تنبهني أمي بنظرات يتطاير منها التحذير ألا أفلتها، فأسقط بين ظلمات الخوف.
هل يمكن أن يتسبب شيء صغير في دوائر متعاقبة من الرعب، كل منها تسلمك لأخرى أوسع؟
أتابعها ترقد في سكون على وجه حائط مطبخنا، تصدمني بوجهها البيضاوي المتشابك كلما حاولت غلق الباب، أو إحضار بعض الأدوات من الخزانة.
يقشعر بدني حينما أتذكر وظيفتها، فأنشغل بإحضار ما طلبته أمي مني من الخزانة العلوية. أستطيل على أطراف أصابعي كي أصل إليها، فيرتطم كوعي بساقها، فتسقط، فأضطر إلى حملها وإعادتها إلى موضعها.
صفحة غير معروفة