قال الثاني في هدوء وثقة: لقد كان الاختيار واضحا في عقلي منذ البداية.
أجاب الأول بنفس اللهجة الواثقة: وكذلك أنا، حتى إنني لم أذهب للتصويت في جولة الإعادة.
حدق الاثنان في عيني بعضهما البعض لفترة ثم ابتسما وقد فهم كل منهما ما في عقل الآخر وقالا في نفس اللحظة: عمرو موسى!
ضحكا في صوت واحد ضحكا طويلا، ثم عادا إلى الصمت مرة أخرى، كانت تلك اللعبة قد استغرقتهما تماما حتى أخذ كل منهما يبحث في ذاكرته عن موضوع جديد يمكن أن يكمل به اللعبة المشوقة. سأل الثاني بعد برهة: لا تقل لي إنك لا تزال تلعب الكرة!
اتسعت ابتسامة الأول كذلك وأجاب في حماس: هذا هو الشيء الوحيد الذي لا أزال أفعله، وإن لم تعد لياقتي تسمح باللعب لفترات طويلة. يوجد بالقرب من بيتي ملعب كرة قدم خماسية، أذهب أنا ومجموعة من الأصدقاء للعب فيه مساء كل ثلاثاء، ما لم تستجد ظروف أخرى بالطبع.
رد الثاني في عدم اكتراث: أما أنا فنسيت حكاية الكرة هذه تماما؛ لأن دائرة معارفي الآن تهتم برياضات مختلفة ليست كرة القدم من بينها للأسف؛ أحافظ على لياقتي وأواظب على التمرين بالأثقال والجري وبعض التجديف عندما يسمح الطقس، لكن ليس كرة القدم.
ارتسمت على وجه الأول فجأة ملامح الجدية وسأل نسخته الأخرى: لم تقل لي أين تسكن ؟
انتبه الثاني فجأة كذلك وأخرجه هذا السؤال من خيالاته وذكرياته فارتسمت على وجهه نفس الجدية وأجاب: لقد هاجرت منذ زمن! تنقلت لسنوات طويلة بين أكثر من بلد؛ عملت في السعودية ثم انتقلت إلى الإمارات، ولكنني أعيش الآن في ضاحية من ضواحي تورونتو بكندا حيث استقر بي المقام أخيرا منذ سبع سنوات! لكن ألا زلت تعيش في الإسكندرية؟
سرح الأول ببصره خارج النافذة مرة أخرى ثم قال في نبرة تحمل تلالا من الإحباط: كندا! يا رجل! أتعرف أين ذهبت أنا يوم أن قررت الهجرة من الإسكندرية؟ ذهبت إلى القاهرة!
التفت إليه الثاني باستغراب شديد قائلا: لكنك لطالما حلمت بالعيش في كندا، أتذكر؟ بلاد الحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرص، لقد كان ذلك هو هدف حياتك منذ كنت في المدرسة الثانوية، ألا تذكر أيام كنت تراسل تلك الفتاة الكندية؟ ماذا كان اسمها؟ لا أذكر اسمها الآن لكنني أذكر أنها كانت تعيش في كيبيك، فقد كانت ترسل صورا كثيرة لمدينتها، وكانت تكتب بعض التعليقات أحيانا بفرنسية معقدة لم أكن أفهمها، كان ذلك أيام المراسلة بالخطابات البريدية! لكن لماذا لم تهاجر إذن؟ ما الذي حدث؟
صفحة غير معروفة