كما قال الصديق الأكبر رضي الله عنه لوفد اليمن مما أخبرناه عبد الله بن محمد بن علي (30) قال: يا محمد بن إسحاق الثقفي (31)، قال محمد بن الحرب (32) قال: نا يقعوب بن إسحق الحضرمي (33) قال: (نا) شعبة (34)، قال جدي أبو عمرو (35): قال: قدم ناس من اليمن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: اقرؤوا عليهم القرآن، فجعلوا يقرؤون عليهم القرآن وهم يبكون، فقال أبو بكر: هكذا لنا حتى حيت القلوب،
ولم يكن ما أخبر الصديق عن نفسه قسوة قلبه، وإن كان أخرجه بلفظ القسوة موهنا لنفسه ومصغرا لحاله، وإنما ذلك حال تمكين واستقامة لأنه كان أعلى منهم حالا ووقتا، والقوم أثر فيهم السماع لضعف أحوالهم عن حمل موارد السماع فهم كانوا المريدين والصديق كان مرادا، وكل إنسان يؤثر فيه السماع
بقدر حاله ووقته ومعرفته ومحبته وشوقه، والسن
ألم تسمع ما قاله كثير عزة (36) في شعره:
لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا
فقال: "لو يسمعون (37) كما سمعت" أي لو كان لهم بها من الوجد مالي لسمعوا مثل سماعي ولوجدوا بها وجدي، ولو سمعوا كذلك خروا لعزة ركعا وسجودا. ولما اختص هو منها بحال اختص بسماع: كذلك من كان له مع الله حال يسمع من السماع خلاف ما يسمع الفارغ اللاهي.
والمستمعون على ضروب: مستمع يسمع بحظه وظنه (38) ومستمع يسمع بحاله ووقته،
ومستمع يسمع بوجده ووجوده وتواجده، ومستمع يسمع له ، ومستمع يسمع منه، على اختلاف الأحوال والفوايد والرواية. والله يختص برحمته من يشاء.
صفحة ٥