مدخل إلى صلاح لبكي
آدم
الله
مدخل إلى صلاح لبكي
آدم
الله
سأم
سأم
تأليف
صلاح لبكي
مدخل إلى صلاح لبكي
في مؤملي الذي يكاد يتقادم عهدا أن أقول في صلاح لبكي بعض العجب. فأية شيمة من شيم هذه الريشة الحلوة التي لا تهيب بي إلى كتابة طرفة، سواء داعبت الشعر، أو قصت القصص اللبناني، أو زأرت تحمي الجبل؟
ترى هي واحدة من أحلامي، تراودني في سويعات من العمر نوادر، بمشيق قد، ومحرور جسد، ونقل خطا في البال، عن أطيب من نغم القصب؟
ولكن هل يفسح لي أن أطيب قدر ما أشاء، ويعدل المقدور مرجوا؟
لأن تحيا نتاج هذا الشاعر عطية، ولأن تتوفق إلى التكلم على طربك لبثه الحنون، تمرس بتذوق البساطة. والبساطة آلهة عبادتها وجع وجزع!
لتقول ماهية هذا الشعر، عليك أن تطلع إلى العالم الأبجدي واحدة القلم في زنة القيم اللطاف، وإضاءة ما لم يفضح، ومس الحسن بإبهام، وسبابة.
ولأن شعر صلاح لبكي حبل به في سكون، تروح تتساءل: كيف لا يحبس القول فيه كأنما المتحدث عنه، ذاك الذي تعود سكر الناس، سئم عمله فقال: هذه المرة سأسكر أنا؟!
قصيدة صلاح ما صيغت صوغا فتلاحقها مستنطقا تأخذ عنها كيف رصف المداميك بصرامة، ولكنها نمت كالبنفسج والبيلسان. فهنا خواطر لم تعالج، واحدة تلو أخرى، بإزميل، ثم تركب موقتا في مكانها من البناء، تقيم كجزء من كل، ثم تنتزع؛ ليعاد النظر فيها، ولا تركز نهائيا إلا بعد أن تقول الأفق المنحني عليها في ذهول: «للجمال بدونها غير جمال!»
لا، فالكل في هذا الشعر كان - كما لو أمكن - جملة، يا صاح، حتى لكأن القصيدة اللبكية كالحب الكبير، تشعر أنك تجدف على قدساته حين تزعم أنه بني تباعا من ضمة حرى سنحت تحت ياسمينة، فمن قبلة خطفت عند مقعد، فمن تلهف في وحدة تؤنسها الذكريات! أما الحب الأشبه بشعر صلاح، فهو حبك العظيم الذي كان لك قبل أن تكون، والذي جاءت الأرض إلى الوجود من أجله، تفرش سندسها لك، ولحبيبتك مكان موعد !
ولأن صلاح لبكي شاعر في كل شيء، لا أستجيز لنفسي أن أحدثك عنه كإنسان. فالناثر فيه يضرب أبدا في مقلع الحسن، والسياسي يأبى إلا أن يتدخل في إقصاء البشاعة؛ فإذا كل إرادة من إراداته قصيدة.
هدف صلاح، وسعيه (حتى وسط الجيل المكيافيلي الباطني الذي يعايش) كلاهما من معدن الخلق، والصراحة، والانخراط. ولكن ابن نعوم اللبكي - صقر القضية اللبنانية في عهده - أقرب الناس إلى دخول الحكم، لو عرف المداجاة قلامة ظفر، ولو نام يوما على أفكاره حيال مساس بحقوق بلاده، نومته أحيانا على الطوى من أجل لبنان، ومن أجل كرامته. وهكذا يؤذي الشاعر فيه رجل السياسة أذى لا أحب ولا أنبل! وكأني به واحد جماعة أبى معدنهم أن يجيئوا دست الحكم إلا راغمين روح الشر، لا بواسطة مماشاته أو الزلفى في العتبات.
لقد أغنى بلادنا كثيرا هذا الفتى الأسمر.
زاد شعره كر العنادل في الجبل، فالضوء المجلبب منعطفاتنا أصبح بعده أنعم وأكثر مخملية، والظلال المنطرحة على السهل غدت أطرى وأندى.
أي غزارة لا تود بعده أن تشق لمعاندة الأمر الواقع! أي إعصار تجرأ قبله على الجهر في وجه الدوحة الهرمة: «سأحطمك وإن سقطت علي!» أي ديمة كانت في سوى لفتاته ديمة، أو كانت لتهمي لو لم تومئ يداه!
وله نبرة علية وحنون معا، ترد الحسن أحسن، فالأشياء بعد أن يعالجها قلمه أكثر من أشياء. صديق لمعظمها هو، ورفيق حياة، وخدين كأس، صحبها منذ هدوء التلة - تلك التي هي في غير لبنان، تراب وحجر - إلى قلق الغصن تحت البلبل، إلى عصف الشوق في الصدور، الشوق الذي لا اسم له في غير لغتنا!
حتى إذا توغل بعض التوغل في جهاده، هذا المخلص، الأبي، الكبير، الطموح، المتوحد مع قضية بلاده، الشجاع، القاطع كالسيف، المتواضع المضحي بذاته أحيانا؛ تنحيا لرفيق نضال، العنيد في المضي إلى الحق، السمح الضربة، البحر العطاء، والشاعر، الشاعر أبدا، ذو القلب الطفل، المستعد للوئام إذا ثبت له صحة العكس؛ فإنما يدرك الناس أي إرث من دربة القتال، واستئناف مدرسة في المروءة ، ودك الأنبياء الكذبة، والذود عن حياض الأقداس، وخدمة الحق لوجه الحق، يمكنهم أن يجمعوا من وراء القصبة التي براها هذا الفتى في مستوى خلقه وحسه، فإذا هو وبال على ذات يده وصحته، ونعمة على لهاف المتتلمذين للحق، والجمال.
واحدة من ألف إعلانهن خيانة لشيمتهن الحيية: يوم راح الاستقلال - وهو صفحة نور خطها لبنان المعاصر - يبهر نفرا من الذين اتفق أن كانوا بين أبطاله، فلم يفهموا حماسة الشعب لهم إلا فرصة سانحة للتعهر في المغنم، فاستثمروا، وانتقموا، ونكلوا بالخصم، عندئذ افتتح ابن اللبكي، وحده، وسط ذلك الجو الإرهابي، حملة تحطيم الأوثان، وتنوير الرأي، والتفريق بين عصمة الاستقلال، وذل الاستغلال!
وكما أن صلاحا السياسي أخ للقيم، فصلاح الشاعر أخ للطيب، والليل، والربوة، وهدير الموج. تعلمنا بعده كيف نشم حفنة من أرضنا فنتعبد لها، وكيف نبصر ثلما في البحر وراء شراع، فنقوم إلى ملك بنيناه، وهناك، في نهايات الأرض وسيعا سعة الطموح في الصدور.
يتغنى صلاح فيحرك في القلوب دفئا. وهو كأنما يقول لا ينظم.
وكيف - إلا إذا قسرت المستحيل على طاعتك - يمكن التأليف بين أناقة، وسذاجة، بين الدعوة إلى أقصى المطالب، والترصن في القول ترصن البنفسج في كب الشذا؟
أي يد لصلاح لبكي على الجمال - والجمال أقنوم من ثالوث العقل، علة وجود الجبل - حين لعبنا اللعبة الكبرى في إدخال الشعر إلى دارة ومدينة، بعد أن كان في الصحراء يجري وراء الأظعان، أو في مضارب الوبر!
هو من عندنا هذا الشاعر، وأدبه من عندنا.
قصيدته بناية، وأقصوصته ومقالته.
يقولون لك: إن له مجموعة نثرية، وألف دراسة على الخاطرة السياسية العارضة. فلا تصدق! ريشته توهمك أنها تنثر في حين أن قصصه والمقالات قصائد ذات أوزان أرحب، وروي خفي.
ومن «أرجوحة القمر» إلى «أعماق الجبل»، مرا ب «مواعيد» وعشرات العشرات من العجالات التي تكون كل صباح غذاء اللبنانيين السياسي، فتتصدر أقوى صحفنا وأصرحها، ولا تتشرف بتوقيعه، ليصح أن يقال إن صلاح لبكي هو «جندي السياسية المجهول»، إلى تحفته «سأم» التي بين يديك، وهي آية الشعر يوم الكلام على مفزعة الإنسان من الحياة إلى التكبر على الحياة، في إطار من ربيع الطبيعة، ومن الحب، ومن التمرس بالبرء من عدم، إنما تمتد سلسلة نتاج خير ما عرف لبنان أقرب منه إلى قلبه، يؤلف بينها ما يؤلف بين دعوة الكروان صباحا على صنوبرة في بعبدات، وصمود صور، مدينة البطولة غير منازعة، للغزاة الذين تهزأ بهم اليوم أمواجها المغنية على الدهر، والخاطرة التي يولج إليها فتتسع بنسبة الولوج، حتى لتبوح المادة، والكون، والحياة بسرها وأبد مداها في بنت شفة تكتنه.
يجيء يوم يحب فيه صلاح لبكي كثيرا.
سعيد عقل
آدم
آدم.
آدم
متى يسفر الأفق الغيهب
وتسمع، يا رب، ما أطلب؟
رأيتك قبل انهمار السنين
يؤانسني وجهك الطيب
وأنت قريب إلي، قريب
كنفسي مني بل أقرب
تحدثني فأحس وميضا
تفجر بي نبعه الصيب
وترمقني فيهم البياض
ويغمرني ضوءه الأشنب
الفردوس
ويوم وطئت الثرى ووقفنا
نسمي براياك، أو ننسب
ترنحت الأرض تيها وخفت
تبث الحياة وتعشوشب
بها نشوة مثل ما بي منك
تجور وآونة تعذب
ولما قفلت إلى ما وراء ال
غيوم وحجبك الكوكب
تهاوت على الكون ريح الأسى
وهبت أعاصيرها الغلب
ومرت ألوف السنين على
ألوف من الدهر لا تنضب
وأنت خفي كأنك لا
تحس الحنين، وتستوعب
تركت فتاك وحيدا شريدا
على الأرض ليس له مأرب
وما أربي؟ وأنا المستطيع ال
قوي المطاع الذي يرهب
إذا شئت غيضت هذا الفرات
وزحزحت لبنان لو أرغب
وأمس أمرت الرياح فهبت
على الكون صواحة تندب
فلم أر إلا نجوما تغور
وتهوي، وأخرى بها تضرب
وإلا صباحا بكيا ذريا
ينم به ضوءه الأشهب
ولم يقرع الأذن إلا العويل
يردده الجبل المتعب
وإلا عزيف الغصون تحط
م والغاب مجرودة سيب
وإلا هدير البحار العماق
يجيش به صدرها المغضب
يقينا إذا قلت للشمس مهلا
تناهى على أفقه المغرب
ويخفق، إما رفعت يدي
وينجاب وجه الدجى السبسب
وضعت يدي على الكائنات
جميعا فهن كما أطلب
وبي سأم ...
وبي سأم من قواي فهلا
مريد ينازعني أغلب
لعلي أحس جديدا، وأبلو
جديدا من العيش لا أرقب
أنا اليوم صنو الكآبات باتت
وبت وصدري بها مخصب
فما للسرور إلى خاطري
سبيل، وليس له مسرب
ولست ليؤنسني شادن
ولست ليشتاقني ربرب
جعلت فتاك شبيهك حسنا
فأرهقه الشبه المعجب
إذا ما ظهرت أروع السباع
فلا تطمئن ولا تقرب
كأني مكانك في كل عين
فمن ذا سميري، ومن أصحب؟!
لك المجد! كيف خلاصي مني
ومما أحس وما أحسب؟
الربيع
مالت الأرض بالهوى من جديد
وسرى البوح في الربا والصرود
فعلى كل نسمة بث شكوى
وحنين من مدنف معمود
في خرير الغدران لهفة مشتا
ق معنى، وفي وجوم البيد
وله الحب أفؤد الطير في الغا
ب وأغوى حتى قلوب الأسود
فأغاني الهوى تردد في الأو
داء والسهل، والربا، والجرود
بين كرات بلبل مطمئن
وشكايات ربرب مفئود
وتعلات مورق يتثنى
ونفاثات ناديات الورود
هذه زفة الربيع انتباه
من سبات وصحوة من جمود
فالضياء الدفيق من كل صوب
يترامى على الغصون الغيد
ينبت اللون حيث يسقط فالأل
وان وهج من خيطه الممدود
وإذا آدم يراقب حيرا
ن اندفاع القوى، وبعث الوجود
آدم
أي شيء، ترى، يعيد إلى النه
ر انطلاق المياه بعد ركود
ويذر العبير في ورق الزه
ر ويغري الطيور بالتغريد؟!
شئت ما شئت أنت، فاندفع الكو
ن وليدا على غرار وليد
أنا وحدي نبوت عن سنن الأر
ض وعن كل محدث موجود
لا شبيها ولا مثيلا ألاقي
لي، في عالم الطريف التليد
وشتائي صنو لصيفي أبقى
فيهما واحدا صليب العود
فكأن الزمان ليس زمانا
يبتليني بما به من عهود
البرايا، ما ملت يبدين من دو
ني جبينا معفرا في الصعيد
فخذ السطوة التي بي، واسمح
تبتدرني الدنيا بغير السجود
الله
الله.
صوت الله
تكلم الله فخف السنا
من كل صوب، وتنادى الضياء
وامحت الأظلال من ساحة الدن
يا وغارت في سيول البهاء
كأنما الأشياء شقت فلا
تمنع سير الضوء أنى يشاء
تكلم الله، فيا نشوة
من غير ما حد وغير ارتواء!
ضاق بها الكون على رغبة
فيها وإلحاح عليها، وناء
في وجهه ملامح من هوى
مرنح، أو من تقى، أو وفاء
لذائذ مبتكرات على
لذائذ ليس لهن انتهاء
تكلم الله، فيا نغمة
ماجت بعيدا في مرامي الفضاء!
لا تلتقي الأنغام في ساحها
إلا خجالى خافتات النداء
صوت كأن الحب من مائه
والعطف من رونقه والصفاء
يخفق في رفق، وفي رقة
وينجلي عن لفتات الرجاء
ما لأغاني الفجر ذكر إذا
ماج، ولا ذكر لشجو المساء
الخليقة
هذا الوجود المنتظم
خلقته من العدم
لقد كفاني أنني
أردته حتى استتم
فانبسطت سهوله
وانبثقت منها القمم
وغارت الأوداء، وان
شقت إلى القمر الأصم
ارتعش الشط، وكر
الموج من صدر الخضم
وارتفعت قبته ال
خضراء من فوق السدم
فسيحة تجمع أش
تات الدراري، وتضم
يتيه في رحابها ال
خيال، والظن الملم
وتسرح الأبصار لا
يصدمهن مصطدم
هناك لا حد، ولا
نهاية، ولا علم •••
ورقص الضوء، وهل
اللون فانهل النغم
مرنح الأعطاف مر
نانا على صدر النسم
يلوي بأعراف الأزا
هير ويلهو، ويضم
والزهر لا تبخله
أنفاسها أنى يهم
أنى جعلت الطير، والض
بعان من لحم ودم
تكاثري، قلت؛ فغن
ى الوجد محموم الشيم
وقلت للغابات كو
ني فإذا هن أجم
وللينابيع هلا ... ...
فانطلقت من الأكم
وطاب لعيني أن تبصرا
شبيهي، شبيه السنا منظرا
شبيها يكون عقيد الوجود
وسيد أسياده المؤثرا
إذا قال قولا، تهم الجبال
وتعنو البحار، وتصغي الذرا
ويجري فلا الريح أسرع جريا
ولا النور منه إذا ما جرى
له خفة الفكر، فهو بكل
مكان من الأرض عين ترى
وقمت إلى حفنة [من] تراب
وقلت لها: سأعز الثرى
غدا أنت بهجة هذا الوجود
وأنت حكاياته لو درى
وحيرته، وهي لا تنقضي
فلا يأتلي سائلا مخبرا
وسر عليه بعيد يراك
ويعجز أن يدرك الجوهرا
تسائل عنك الكواكب بعض ال
كواكب، والفلك الأكبرا
وتسأل عنك الغصون الغصون
وتستفسر الأنهر الأنهرا
وتستنطق الريح شم الجبال
وغور الفلاوات، والأبحرا
ويغدو التراب مدلا على ال
كوائن جمعاء مستكبرا
وحق له في غد أن يتيه
وأن يتسامى، وأن يفخرا
ورحت أعالج هذا التراب
مكبا على صنعه مقصرا
أهيب به فيهم، وأرنو
إليه فينهار مستعذرا
كأن به رهبة أن يتم
وأن يتجلى، وأن ينشرا
عرفت خلال ابتداعيه معنى الز
مان، وقسمته أعصرا
وقد كنت ذا حاضر أزلي
جرى، وهو لم يبتدئ مذ جرى
وما ذاك إلا لأني شغفت
خيالا، وآليته مظهرا •••
ومرت عصور تلتها عصور
فجئت به رجلا أشقرا
مثالا يقاس عليه الجمال
إذا هو مثل، أو صورا
ولو شبه الحسن في الكائنات
به لتخوف أن يصغرا
تأملت صنع يدي، فطابت
لعيني طلعته منظرا
فملت إليه وقبلته
فهب يحل عقود الكرى
كأني تركت له من قواي
هوى سرحا،
1
وهوى مجمرا
2
وأعجب مني محبا لصنعي
أداريه من غير أن يشعرا!
أذل البرايا إذا شام أمرا
وأرغم ناموسها الأعسرا
وأخصب، أنى دعاه المسير اح
تفاء به، البلد المقفرا
إذا وطئت قدماه الصخور
لهش له الصخر، واخضوضرا
وها هو اليوم يدعوني، ويندبني
معاتبا شاكيا مغرورق البال
هون عليك لك الدنيا وما وسعت
من الشموس، وما ظنت من الآل
تكاد لا تورق الأغصان مثقلة
إذا أبيت، بأزهار وأظلال
ولا تقر عيون لا تراك ولا
تظل حال، متى تمضي، على حال
ماذا رغبت من الدنيا ولم يكن ال
مرغوب أدنى إلى كفيك من بال؟
ألا ترى كيف تسعى كل خاطرة
إليك، غرقى بأحلام وآمال؟
تردها خائبات عنك واجفة
لفرط ما بك من كبر وإدلال
آدم
أوسعتني خفضا وعذلا
وتركت بي ألما وذلا
أنا، في رحابك، ذاكر
لك، شاكر مننا وفضلا
ماذا علي إذا شكو
ت سآمة تزداد ثقلا
المحدثات رأيت في
ماضي الوجود لهن مثلا
الشمس كم طلعت! وكم
جرت على الآفاق ظلا!
والليل كم غشي الوجو
د وموهت كفاه شكلا!
والزهر أعرفهن، ما
جددن أطيابا وأصلا
والسيل كم غسل الجبا
ل الشامخات، وجاب سهلا!
وأتى الربيع، وكم مضى!
وجه الربيع وكم أطلا!
مهلا إذا أنا أشتكي
وأبوح، يا رباه، مهلا!
قبلي سئمت بلى! وضج
بك الحنين، ولج قبلا
أو لا، فلم سويت هذا
الكون، لم أحدثت شغلا؟!
الله
فالتفت الله إلى آدم
وقال: كنت الغافر الآسيا
حدث بما تبغي، وقل ما ترى
تجد إلها مشفقا واعيا
آدم
سئمت يا رب، ولا شيء في ال
أرض يزيل السأم العاديا
تعبتها لذائذا كلما
دنوت، ولت هازئات بيا
وددت لو أمسك هذا السنا
ولونه المزدهي الزاهيا
والنغم الهارب إذ ينجلي
والنسم المعتزم الغاديا
ورونق الفجر، وما ينثر ال
أمساء في آفاقه ماضيا
ومر ظل فإذا آدم
يقول: يا للحلم! هذي هيا
الإنسان.
آدم
حواء وحي الأعالي
أم من نسيج خيالي؟!
في مقلتيك التماع
من روعة وجلال
وفيهما لمحات
من الفضاء العالي
ورقرقات، وشيء
فوق ارتهاف الجمال
أديم وجهك نور
أديمه من لآلي
تنقلي، تتهاد ال
أنغام بين التلال!
تنقلي، في ظنون ال
أحلام والآمال!
فالكون ريان مصغ
نشوان من إدلال
حواء، هل أنت إلا
أغنيتي وسؤالي؟!
وزهرة أطلعتها ال
أشواق عبر الليالي؟
لأنت مفرد لحن
مثيله من محال
قومي بنا نتثنى
أنشودة الآزال
ونرتمي تمتمات الض
ياء فوق الجبال
نهب في كل ريح
نهب بين الضال
وننثني همسات
على لها الأدغال
وننثر الطيب نثر الش
موس وهج الآل
فما نمر بأرض
إلا كستها الغوالي
أسائل النفس عما
أفنيت من آصال
فأبصر الكون قفرا
طوال أمسي الخالي
كأنما كان فيه ال
جمال ظل الجمال
والطيب، والضوء زورا
مجلببا بضلالي
ما كان قبلك إلا
برد السنين الطوال
حواء
قلت لي أمس إنني خفقة الن
ور تندى في مفرق الآفاق
وانتباه النجوم عند العشيا
ت وغوث الأحلام، والأشواق
قلت إني، إذا تلفت، راحت
تتراءى الأعماق في أحداقي
وإذا يعبث النسيم بشعري
يعبق الطيب في الروابي العتاق
وتموج الأنغام، إن أرفع الصو
ت بعيدا غلابة الإنطلاق
ما الوهج ما الأنوار؟
وكيف توقد نار؟
وكيف يمسح ذاك الظ
لام هذا النهار؟
واللون؟ هل هو إلا
ما تحسب الأبصار؟
ترى أللورد روح
مشبوبة معطار؟
لها مقر، وعهد
وهجرة، وجوار؟
الورد جود الفيافي
وحدثها المختار
وما رأيت ترابا
جدواه مسك وغار
فكيف تسكب طيبا
من صدرها الأحجار؟!
يغور عود، ويفنى
في الأرض ثم يثار
فكيف يأخذ منها ال
حياة، وهي بوار؟
وما الحياة؟ أزهو
ورقة وافترار؟
أم خفقة وانتفاض
ووثبة وانتشار؟
أفي الغصون حياة
وفي التراب اكفرار؟
يضل عقلي إذا ما
سألته ويحار!
وأسأل الشهب عما
بها، وكيف تدار
والريح من أين تجري
وأين منها القرار؟
نعيش في مبهمات
تلفنا الأسرار
فأين عزمك تهوي
من دوننا الأستار؟
آدم
اتركي من تلهف وسؤال
ما لنا بالأصول خلف الجمال
لن نزيد الضياء وهجا إذا ند
رك مسراه من يد الآزال
وبحسبي أن يغمر الطيب قلبي
لا يبالي من بثه فأبالي
ذلك العلم للذي بسط السه
ل وشد السماء فوق الجبال
يهتف الكون عاليا ويغني
ه وترنو إلى ذراه الأعالي
فالتسابيح لاسمه غاية الدن
يا وقصد القلوب والآمال
وانطلاق الأضواء من غرر الصب
ح صلاة عميقة الإبتهال
وصلاة ترنح الدوح بالطي
ب وبث الأدغال للأدغال
وهتاف الينبوع، يوعد بالخص
ب وصمت الصحراء تحت الرمال
وغناء الطيور، والفجر رقرا
ق، وتيه الشذا، وحلم التلال
كل لون ذكر لرحمة كفي
ه وحمد له، وكل خيال
هو في غفوتي، إذا أنا أغفي
ت شروق حلو، وفي صحو بالي
أصل ما يغبط النواظر ورد
طيب للسؤال بعد السؤال
فاتركي ... ولتكن صلاة تعالى
في هدوء، إلى ذراه العالي
حواء
الصلاة الصلاة! طبت كلاما
وتعاليت منهلا ومقاما
أي مجد في أن نظل قلوبا
واجفات، وأعينا تتسامى؟!
أي عز في أن نظل سجودا
والتسابيح دأبنا، أو قياما؟!
ومتى نحن فوق ما يدرك الغص
ن، وما تحفظ السباع الذماما؟!
خل عنك الصلاة والبوح للضو
ء وللزهر، واجحد الإلهاما
واطلب العلم واعتمده نساو
الله شأنا ورفعة واحتراما
لنكن نحن من تصلي لنا الدن
يا وتنهار دوننا إعظاما
لتغن الطيور كل أغاني
ها التماسا، ونشوة، وهياما
ولتصفق لنا الأماليد في الدو
ح ويجري لنا الضياء غراما
ولتبح كل زهرة بالهوى الزا
خر فيها، المطيب الأياما
قم بنا نطلع النجوم، ونهد اللو
ن، أو نلبس الوجود ظلاما
قم بنا نبتدع وجودا جديدا
ونمهده روعة ونظاما
قم بنا نبتدع! فما العيش إن لم
يك هذا الإبداع والإبراما
قم كفانا أنا الشبيهان ولنص
بح مثالا صعب البلوغ تماما
لا تقل حرم الإله فإن ال
حر يختار حله والحراما
حرم الله حرم الله ما حر
م إلا لكي يظل أماما
الإنسان
في البعيد البعيد، خلف مدى الأب
صار طيفان يسحبان الهوانا
يسألان الينبوع رفدا فيأبى الر
فد حتى ليغتدي ظمآنا
تجدب التربة السخية، أنى
وطئاها فاستجدياها زمانا
وتكاد الأغصان تبخل بالظل
إذا ما تفيآ الأغصانا
كل خير جفاهما، ونبا الحس
ن وولى مهرولا شتآنا
فكسا الترب نفسه الشوك كيدا
واسترد الورود والريحانا
فإذا يطلبان قوتا عصى ال
قوت، ولو دانيا، وشت وبانا
الطريدان في عراك مع الكو
ن عنيد يمزق الأبدانا
تتقصاهما الزوابع حتى
لا يقران خاطرا ومكانا
من قتال مع السباع إلى حر
ب مع الطير ترهق الأقرانا
يدفعان الغربان حينا وحينا
يدفعان الكواسر العقبانا
أتظناهما وقد كثرا عدا
يزيدان للشقا الولدانا
فيكونون - إن بلغت مدى الحس
فأدركت - ذلك الإنسانا؟
يذكر المحتد القديم فيرنو
صبوة منه للقديم الكانا
مقلة ترتعي التراب، وأخرى
في السها، وهو يفتدي حيرانا
أبدا يطلب انفكاكا من الأر
ض ويمسي مكبلا حسرانا
والثرى ممسك به أبد العم
ر إلى أن يضمه جثمانا
حواء
ما ترى تدعي، خبلت؟
آدم
لقد شاهدت
توبي، واستغفري الرحمانا
وتعالي إلي، ننعم بالخي
ر ونحيا الجمال، نحيا هوانا
واتركي كل مطمع إن دون ال
علم موتا رأيته ظمآنا
حواء
عدت تهذي، وهب صدقت ال
حس رهفا، فالموت أن نتوانى
عاطني العلم، عاطني الموت، واقنع
وخذ الجهل، والتقي والجنانا
الإنسان
وإذا في البعيد، عند قيام الد
هر، طيفان يسحبان الهوانا ...
صفحة غير معروفة