عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: " مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم ينلك منه أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل القين إن لم يصبك ناره أصابك شراره ". قال أبو حاتم ﵁: العقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار لأن مودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومودة سريع انقطاعها بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم. قالوا: يجب على العاقل أن يتجنب أهل الريب لئلا يكون مريبا، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذا صحبة الأشرار تورث الشر. وقال ﷺ لبعض أصحابه: " لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " واسمع قوله تعالى: (يا نوح إنه ليس من أهلك) . فنهى الله ﷿ نبيه أن يقول لابنه: " إنه من أهلي "؛ لأجل ما خالف الله ورسوله. وقال رسول الله ﷺ لسلمان الفارسي: " سلمان منا أهل البيت " لأجل طاعته الله ورسوله. وقيل للنبي ﷺ: من أحب إليك؟ قال: " كل تقي ".
قال الله تعالى: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهْم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) واعلم رحمك الله وجميع المسلمين بأنه يجب على المسلم أن يحب من أحبه الله، ويقرب من قربه الله تعالى، ويبغض من أبغضه الله تعالى، ويبعد من أبعد الله تعالى، فحينئذ يستوجب رحمة الله. قال ﷺ: " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ". فمن كان من أهل الطاعة وقرب أهل المعصية أبعده الله، ومن أرضاهم فقد أسخط الله، ومن أكرمهم أهانه الله، ومن أحبهم أبغضه الله وحشره معهم لقوله ﷺ " المرء مع من أحب ". قال عيسى ﵇: " يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي والفسق، والتمسوا رضا الله تعالى إليه بالتباعد عنهم بسخطهم. قالوا: فمن نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة علمه، ويزيد من فهمكم منطقه " وقال: إذا كان الناسك جيرانه عنه راضون فاعلم أنه مداهن. وقال: لا تجالسوا الأحداث فإن فتنتهم أشد من العذارى. وقال: لا تجالسوا شربة الخمر ولا تعودوا مرضاهم ولا تشهدوا جنائزهم فإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودًا وجهه مزرقًا عينيه مذلقًا لسانه على صدره يسيل لعابه كل من رآه. وينبغي للإنسان أن لا يعاشر إلا أهل طريقته إذا كانت موافقة للكتاب والسنة، ولا يعاشر غير أبناء جنسه من المبتدعين قال الله تعالى: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) أي لا تعاشروا إلا من تبع موافقتكم على أحوالكم وطريقتكم. قال ﷺ فيما يخبر عن ربه ﷿: " وإن هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه ". وإياك وموالاة أهل البدع بالمودة فإنها تذهب بأنوار القلوب، وتحين أفعالهم يورث المقت من الحق والبعد من الله ﷿. وقال أبو حاتم رضى الله عنه: العاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار ولا يغض عن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة تتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها. وعن أبي عمرو بن العلاء قال: رآني سعيد بن جبير وأنا جالس مع الشباب قال: ما يجلسك مع الشباب عليك بالشيوخ. وقال أبو الدرداء: لَصَاحِبُ صَالح خيرُ من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء، ومملي الخير خير من الساكت خير من مملي الشر. وقال أبو حاتم: العاقل لا يصاحب الأشرار؛ لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تُعْقِبُ الضغائن، لا يستقيم وُدُّه ولا يفي بعهدهِ؛ وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرًا تكون مجالسة الكلب خيرًا من عشرته، ومن يصاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مدخل السوء يُتّهم، ومن كان أصدقاؤه أشرارًا كان هو أشرهم وكما أن الخًيِّر لا يصحب إلا البرَرَة كذلك الرديء لا يصحب إلا الفَجَرة. وقال بعض الحكماء: من جلس مع ثمانية أصناف زاد فيه ثمانية أشياء: من جلس مع الأغنياء زاده قلة الشكر والرضا بقسمة الله تعالى أو عكسها.
1 / 40