بالله زر ساحة القصرين وابك معي
عليهما لا على صفين والجمل
وقل لأهلهما والله لا التحمت
فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل
وقد أظهر صلاح الدين - كعادته - حكمة عظيمة في أنواع العقاب؛ فإنه بعد أن صلب القادة الكبار اكتفى بأن نفى من اشترك في المؤامرة من أجناد مصر إلى أقاصي الصعيد، واحتيط على من بالقصر من سلالة الفاطميين. وأما الذين نافقوا عليه من جنده فلم يتعرض لهم ولم يعلمهم أنه علم باشتراكهم وآثر أن يستميلهم بإزالة ما يشكون منه، وحدث ذلك كله في أبريل سنة 1174م/رمضان سنة 569ه.
ولكن الفرنج لم يعلموا أن المؤامرة قد كشفت وقضي عليها؛ ولهذا جاءوا من البحر إلى الإسكندرية في يوليو سنة 1174م/ذي الحجة سنة 569ه يحسبون أنهم سيضربون جبهة صلاح الدين يصدعونها على حين يخرج أحلافهم الخونة من خلفه فيجهزون عليه، ولكن خاب ما أملوا. (7) وفاة نور الدين
بعد القضاء على تلك المؤامرة بنحو شهر ونصف أتى إلى صلاح الدين نعي نور الدين العظيم، وإنا لا نستطيع إلا أن نذكر بالإعجاب ذلك البطل «نور الدين» الذي جعل كل حياته وقفا على الدفاع أمام قوم أغاروا على بلاد ليست لهم وأتوا ما أتوا من المظالم في شعب يرى نفسه حاميا له وملزما بالدفاع عنه. وقد كانت حياته سلسلة حروب لا بأس من أن نسميها جهادا. وقد كان نجاحه فيما قصد إليه نجاحا كبيرا؛ فكون دولة عظيمة ورد تيار الانتصار نهائيا من جانب الصليبيين فأصبح في جانب دولة الإسلام، وكان يدعى له على منابر مصر والشام إلى الموصل واليمن . على أن دولته كانت على النظام الإقطاعي؛ يحكم كل إقليم منها حاكم شبه مستقل يدين له بالدعوة ويرسل إليه العسكر والمال كلما لزم له حرب. وكان نور الدين في خلقه مثلا من الأمثلة العليا في الزهد في غير مرارة، والتدين في غير تعصب، والعدالة في غير تشدد. وكان هو نفسه في مقدمة المحاربين لا يتأخر، بل يحارب بنفسه غير خائف أن يصاب، ولا يطيع من ينصحه بالاحتراس؛ ولا أدل على روحه من أن نورد ما قاله مرة وقد نصحه ناصح أن يدع الحرب خوف أن يصاب فيكون في إصابته هلاك المسلمين، فقال: «ومن محمود حتى يقال له هذا؟ إن من قبلي من حفظ البلاد والإسلام؛ وذلك هو الله.»
ولا ندري كيف كان وقع نبأ موته على صلاح الدين، وأكبر ظننا أنه أساءه أيما إساءة وأحزنه أعظم حزن.
2
على أننا لا نقدر أن نتناسى أن موته أخرج صلاح الدين من خطر عظيم؛ وذلك أن الخلاف الذي دب بينه وبينه بعد سنة 1173م كان لا بد يصل إلى حد بعيد لو بقي نور الدين حيا، ومن يدري هل كان صلاح الدين يحتفظ إلى آخر الأمر بما سار عليه إلى ذلك الوقت من الحفاظ والاعتدال؟ (8) بدء العصر الثاني من حياة صلاح الدين
صفحة غير معروفة