أغمضت عينيها، فأغمضت عيني أنا الأخرى. أردت أن أخبرها بأمر ليلة الإعدام، لكنني لم أستطع. لا يوجد من الكلمات ما يصلح لوصفها، ولم أرد إخبارها أيضا بحكم السجن مدى الحياة، لأنه سوف يثير حزنها. هل سيحتجزونني في «إيفين» إلى الأبد حقا؟ هذا يعني أنني لن أعانق أمي، أو أرى أندريه، أو أذهب إلى الكنيسة، أو أرى بحر قزوين مرة أخرى. كلا، إنهم يودون إخافتي وبث اليأس في نفسي فحسب. علي أن ألح في الدعاء والتضرع إلى الله كي ينقذني أنا وسارة. سنعود أنا وهي إلى المنزل قريبا.
بدا لي كأننا لم ننم سوى دقائق عندما ملأ صوت المؤذن الغرفة عبر مكبرات الصوت: «الله أكبر، الله أكبر ...» كان الوقت قد حان لصلاة الفجر. نهضت سارة ومعظم الفتيات واتجهن إلى الحمام كي يؤدين فرائض الوضوء من غسل اليدين والذراعين والقدمين، وهو أمر يسبق كل صلاة. أخيرا يمكنني النوم على ظهري. لمست إحداهن كتفي، ففتحت عيني ووجدتها سهيلة.
سألتني: «ألن تقومي إلى الصلاة؟»
ابتسمت، وقلت: «أنا مسيحية.» - «أنت أول مسيحية أقابلها هنا! كان لدي ... أقصد لدى جيران مسيحيون في الشقة المجاورة لنا واسم عائلتهم جالاليان، وأنا صديقة ابنتهم نانسي، وقد دعوني ذات مرة إلى منزلهم كي أحتسي القهوة التركية معهم. هل تعرفين آل جالاليان؟»
أجبتها بالنفي.
اعتذرت لإيقاظي، وسألتني هل يصلي المسيحيون، فأوضحت لها أننا نصلي، ولكن ليس كصلاة المسلمين، فالصلاة لدينا لا ترتبط بأوقات محددة. •••
كان علينا أن نرتب الغرفة في السابعة صباحا، ودهشت من السرعة التي تم بها ذلك، وكيف رصت البطاطين المطوية في أحد أركان الغرفة. فردت الفتاتان المسئولتان عن الطعام مفارش رقيقة من البلاستيك يسمونها «السفرة»، عرضها نحو نصف المتر على الأرض، ووزعتا الملاعق المعدنية والأطباق والأكواب البلاستيكية، ولم يكن لدينا أي شوك أو سكاكين، ثم ذهبت الفتاتان إلى الردهة وعادتا حاملتين دورقا معدنيا أسطواني الشكل كبيرا يحتوي على الشاي. كان الدورق ثقيلا، وكل واحدة منهما تمسك بإحدى يديه وهي تلهث. أحضرتا معهما أيضا حصتنا من الخبز وجبن الفيتا. انتظمنا في صفوف كي نحصل على طعامنا، ثم جلسنا حول السفرة وأخذنا نتناول الطعام. كنت أتضور جوعا، فالتهمت طعامي في ثوان معدودة. كان الخبز طازجا، وعلمت أن السجن به مخبز خاص، وكان الشاي ساخنا ولكن رائحته غريبة. أخبرتني سارة أن هذه الرائحة بسبب الكافور الذي يضعه الحرس في الشاي، وأنها سمعت أن الكافور يوقف الطمث لدى السجينات؛ فمعظم الفتيات هنا قد انقطع الطمث لديهن تماما، لكن الكافور له أعراض جانبية، منها تورم الجسم والاكتئاب. سألتها عن السبب الذي يدعو الحرس لإيقاف الطمث لدينا، فأخبرتني أن الفوط الصحية باهظة الثمن. بعد الانتهاء من الطعام وضعت الفتاتان المسئولتان عن غسيل الأطباق الأطباق المتسخة في صناديق بلاستيكية، وأخذتاها إلى غرفة الاغتسال، وغسلتاها بالماء البارد.
سرعان ما ألممت بالقواعد العديدة للمكان؛ لم يكن مسموحا لنا تخطي الأبواب ذات القضبان الحديدية الموجودة في نهاية الممر ما لم تنادنا إحدى الأخوات عبر مكبر الصوت، وهو ما لا يحدث إلا في حالة استدعائنا للتحقيق أو للزيارة. الزيارات مسموح بها مرة واحدة في الشهر، وموعد الزيارة التالية سيحل بعد أسبوعين. لم تستقبل سارة أي زائر بعد، لكنها كانت تأمل في أن يسمح لوالديها بزيارتها قريبا. علمت أيضا أن أفراد العائلة المقربين فحسب هم المسموح لهم بالزيارة وبإحضار ملابس لنا. في كل غرفة يوجد جهاز تلفاز، لكن البث يقتصر على البرامج الدينية. توجد كتب أيضا، لكن كلها تتحدث عن الإسلام.
كان الغداء يتكون عادة من القليل من الأرز أو الحساء، أما العشاء فيتكون من الخبز والتمر. من المفترض أننا نحصل على بعض الدجاج مختلطا بالأرز والحساء، لكن من كانت تعثر على قطعة صغيرة من اللحم في طعامها تعتبر محظوظة وتتباهى بها أمام زميلاتها. كانت مندوبة الغرفة - التي تختارها الفتيات أحيانا وأحيانا أخرى يعينها الحرس - تنظم توزيع الطعام، ومهام التنظيف، وتبلغ الإدارة عن أي مرض أو مشكلة خطيرة.
ذات يوم، بعد نحو عشرة أيام من القبض علي، جلست في ركن من الغرفة وأخذت أراقب الفتيات وهن يؤدين صلاة الظهر، ويقفن في صفوف تجاه الكعبة. كانت أول مرة أرى فيها صلاة المسلمين عن قرب عندما راقبت أراش وهو يصلي في منزل عمته. أحببت أن أراه وهو يركع ويسجد ويهمس بكل الأشياء التي يؤمن بها. هل كان سيوافق على تلك الحكومة الجديدة وما ترتكبه من أعمال وحشية باسم الدين؟ كلا، لقد كان أراش طيبا حنونا، وما كان سيتقبل ذلك الظلم. وربما كان سينتهي المطاف بكلينا في «إيفين.»
صفحة غير معروفة