شعرت بالقلق، ولم أكن أرغب في أن يصيبه مكروه. بدا علي الشعور بالخوف، فأمسك يدي. - «مارينا، أرجوك لا تقلقي. سأكون بخير، أعدك بذلك.»
حاولت أن أصدقه، وأن أتحلى بالشجاعة، غير أني لم أكن سوى فتاة في الثالثة عشرة من عمرها. ***
لم أدخل في أي نقاش سياسي مع أراش ما تبقى من الصيف. كنت أرغب في نسيان أمر الثورة. ظل أراش يعزف لي على الناي كل يوم، وظللنا نذهب في نزهات طويلة سيرا على الأقدام، ونركب الدراجات على الشاطئ، ونقرأ الشعر ونحن جالسان على الأرجوحة في الفناء الخلفي بمنزله.
رحل أراش إلى طهران قبلي بأسبوعين. كنت أنا وأمي غالبا ما نعود إلى طهران في بداية سبتمبر كي أتيح لنفسي وقتا كافيا للاستعداد للدراسة التي تبدأ في الحادي والعشرين من سبتمبر؛ أول يوم من أيام الخريف. راقبت أراش وهو يقود سيارة والده البيكان البيضاء مبتعدا عن منزل عمته، حيث تجلس جدته في المقعد الأمامي وشقيقه في المقعد الخلفي. لوحوا لي يودعونني، فلوحت لهم بدوري حتى اختفوا عن ناظري. •••
وصلت إلى طهران يوم الخميس السابع من سبتمبر، واتصلت بأراش على الفور، وقررنا أن نلتقي في إحدى المكتبات يوم التاسع في العاشرة صباحا.
وفي يوم التاسع استيقظت قبل الفجر، ولما كنت أشعر بالقلق فقد خرجت إلى الشرفة. في تلك الساعة المبكرة، كان الشارع المزدحم دوما مهجورا، والنسيم العليل يداعب الأوراق المتربة لشجر القيقب محدثا حفيفا. أردت أن أتصل بأراش وأطلب منه الحضور مبكرا، ولكن هذا الأمر كان ضربا من الجنون. كان علي أن أنتظر. ثم سمعت صوت صفير غريب، فحدقت في الظلام، ولمحت في الجانب الآخر من الشارع شيئا يتحرك. دققت النظر، فوجدت شبحا مظلما يتحرك في ضوء الشارع ويكتب شيئا ما على الحائط القرميدي لأحد المحلات مستخدما علبة من الطلاء الرشاش. صرخ أحدهم: «توقف!» لم أدر من أين أتى الصوت، وذلك لأن الكلمة تردد صداها بين المباني. أخذ الشبح المظلم يجري، ثم سمعت صوتا مدويا كقصف الرعد، واختفى الشبح في الجوار، ثم ظهر شبح جنديين مسلحين، فجريت أختبئ بالداخل.
وبعد شروق الشمس عدت إلى الشرفة، فرأيت الحائط القرميدي الرمادي في الجانب الآخر من الشارع وقد كتب عليه بحروف حمراء كبيرة: «ليسقط الشاه!»
وصلت إلى المكتبة مبكرا عن موعدي بضع دقائق وأخذت أتصفح الأرفف، وفي العاشرة والربع أخذت أتلفت حولي. لم يتأخر أراش عن مواعيده من قبل. ظللت أنظر في الساعة باستمرار، وفي كل مرة يفتح فيها الباب ويدخل أحدهم يراودني بصيص من الأمل، ولكنه لم يأت. انتظرت حتى الحادية عشرة، وظللت أؤكد لنفسي أن الأمر على ما يرام، وربما يكون الزحام المروري هو ما منعه من الحضور أو ربما تعطلت سيارته.
عدت إلى المنزل واتصلت بأراش على الفور، فأجاب أرام على الهاتف، وعرفت من صوته أن ثمة خطبا ما. أخبرته أني كنت على موعد مع أراش في إحدى المكتبات لكنه لم يأت.
سألته بأقصى ما استطعت من الهدوء: «أرام، أين هو؟»
صفحة غير معروفة