بعد ثلاثة أيام، انتهيت من قراءة «الأسد والساحرة وخزانة الملابس» مرتين، وأحببتها كثيرا. أردت المزيد، لكن لم يكن معي سوى تومانين، ولم أكن متأكدة هل سيكون صاحب المكتبة كريما معي مرة أخرى. وخشيت أن أطلب من أمي نقودا، فقررت أن أبيع حافظة أقلامي لصديقتي سارة. كانت سارة قد سألتني في بداية العام الدراسي عن المكان الذي اشتريتها منه، وأخبرتها أن أمي اشترتها لي من المتجر الكبير الذي يقع في تقاطع شارعي «شاه» و«بهلوي»، لكن عندما ذهبت والدة سارة لتشتري لها واحدة، وجدتها قد بيعت جميعها، وحزنت سارة كثيرا. كانت تلك الحافظة علبة بلاستيكية زرقاء ذات قفل مغناطيسي يصدر صوتا عند إغلاقه. وفي اليوم التالي قابلت سارة في طريقي إلى المدرسة. كانت عيناها بنيتين واسعتين، وشعرها أسود كثيفا مجعدا يصل إلى كتفيها، ولديها ساعة فاخرة عليها صورة سندريلا والأمير وهو يضع حذاء زجاجيا في قدمها، وسندريلا جالسة على مقعد تضع ساقا فوق الأخرى، وساقها تتحرك للأمام وللخلف كل ثانية. كانت والدة سارة قد اشترت لها هذه الساعة عندما كانوا يقضون إجازتهم في إنجلترا. سألتها هل ما زالت ترغب في الحصول على حافظة أقلامي، فقالت نعم. أخبرتها أني على استعداد لأن أبيعها لها، فتساءلت في ريبة عن السبب، فأخبرتها بأمر المكتبة. وافقت سارة أن تعطيني خمسة تومانات، بشرط أن أعطيها ممحاتي المعطرة أيضا، وقبلت شروطها.
بعد انتهاء اليوم الدراسي استغرق الأمر أقل من خمس دقائق كي نصل جريا إلى منزل سارة الذي يقع في شارع متعرج ضيق يضم كل منزل من منازله فناء صغيرا، وتحيط به جدر قرميدية مرتفعة كي توفر الخصوصية للساكنين. كنت أحب الشارع الذي تقطن فيه، لأنه هادئ بلا سيارات أو متاجر أو باعة أو متسولين. كان الجو مشبعا برائحة البصل والثوم المحمر الذي يثير الشهية؛ ربما كان أحد الجيران يطهو العشاء. كانت سارة تحمل مفتاحا للمنزل، فوالداها يعملان ويعودان إلى المنزل في وقت متأخر من اليوم. فتحت الباب، وخطونا إلى فناء المنزل. رأيت على يميننا حوضا صغيرا من الزهور تملؤه زهور الجيرانيوم والبانسيه الحمراء والخضراء والبنفسجية.
تمنيت أن أعيش في منزل كمنزل سارة. كانت والدتها ممتلئة الجسم ذات شعر أسود قصير، تعمل في أحد البنوك، ودائما ما ترتدي بذلات أنيقة وأحذية سوداء لامعة عالية الكعبين. كانت تعانقني كلما ذهبت لزيارتهم، وتبدي سعادة غامرة بزيارتي لهم. أما والد سارة فكان مهندسا قوي البنية، دائما يطلق النكات المضحكة، ويضحك بصوت مرتفع، ويقرأ أشعارا قديمة جميلة. وكان شقيق سارة الوحيد - سيرس - في الثانية عشرة من العمر، أي يكبرني أنا وسارة بثلاث سنوات، وعلى النقيض من بقية أفراد أسرته كان شديد الخجل. كان منزل سارة على الدوام يعم بالصخب والضحكات.
أعطيت سارة حافظة الأقلام وأعطتني النقود، ثم اتصلت بأمي، وأخبرتها أني ذهبت إلى منزل سارة كي أساعدها في أداء واجباتها المدرسية. لم تمانع أمي، فشكرت سارة وانطلقت عدوا إلى المكتبة، ووجدتها بنفس الحالة من الظلام والأتربة والغموض كما رأيتها أول مرة، ومرة أخرى ظهر الرجل المسن فجأة من وسط الظلام.
قال وعيناه تضيقان: «دعيني أخمن: أنت لم تفهمي حرفا من الكتاب، وجئت الآن لتستردي نقودك، أليس كذلك؟» - «كلا، بل قرأته مرتين وأحببته كثيرا. هناك بضع كلمات لم أفهمها، لكني استخدمت معجم أبي. أتيت كي أشتري الجزء الثاني من السلسلة. هل هو موجود؟ لقد بعت حافظة أقلامي وممحاتي المعطرة لصديقتي سارة، ولدي ما يكفي من النقود هذه المرة.»
حدق العجوز في ولم يتحرك، فانقبض قلبي. ربما لا يكون الكتاب الثاني موجودا لديه. - «هل الكتاب موجود لديك؟» - «نعم، ولكن ... لست مضطرة لدفع ثمنه. يمكنك استعارته إذا وعدتني بأن تعتني به وتعيديه لي عند الانتهاء من قراءته ... مرتين.»
خطر في ذهني ملاكي الحارس. ربما يتظاهر بكونه رجلا مسنا هذه المرة. نظرت في عيني الرجل، فبدت لي مثل عيني الملاك تماما، تتمتعان بنفس اللون الداكن والعمق والطيبة. نظرت إلى الكتاب فوجدته يحمل عنوان «الأمير كاسبيان».
سألني: «ما اسمك؟» - «مارينا. وأنت؟» - «ألبرت.»
حسنا ... ملاك اسمه ألبرت.
ومنذ ذلك اليوم اعتدت على زيارة ألبرت واستعارة الكتب منه مرة على الأقل أسبوعيا. •••
صفحة غير معروفة