سألت أمي: «كيف كان الانتقال؟» - «كل شيء سار على ما يرام. اضطررنا فحسب إلى بيع بعض الأشياء، فزينيا لديها الكثير من الأثاث، ولم يكن هناك مكان كاف لكل شيء. لم يتركنا أندريه قط، وساعدنا أثناء الانتقال. حمدا لله أن لديه سيارة كبيرة؛ لا أدري ماذا كنا سنفعل من دونه.
سألت أندريه: «أما زالت لديك نفس السيارة؟» - «نعم.»
فوجئت بذلك، لكنني أدركت عندئذ أنه مع أن الوقت الذي قضيته في «إيفين» قد بدا لي دهرا من الزمن، فإنه لم يكن يزد عن عامين وشهرين واثني عشر يوما فقط.
الفصل الثامن عشر
في منزل زينيا حصلت على غرفة نوم بها نافذة تكاد تكون بعرض الحائط تطل على الساحة الخلفية. كانت الحوائط مطلية باللون الوردي، وهو لوني المفضل، وهناك مقعدان بالقرب من النافذة. تحسست بأصابعي القماش الوثير الذي يغطي المقعدين، وتخيلت نفسي جالسة على أحدهما أقرأ رواية أو ديوان شعر. وجدت منضدة صغيرة للتزين، كانت جزءا من وحدة أثاث جدارية، وعليها صورتان لي موضوعتان في أطر يدوية الصنع من أصفهان. في إحدى الصورتين، كنت في الثامنة من العمر أتكئ على سيارة أبي طراز أولدزموبل الزرقاء اللامعة أرتدي ثوبا صيفيا وأحدق في آلة التصوير، وابتسامة غامضة متسائلة تعلو وجهي. هل كنت صغيرة هكذا يوما؟ وفي الصورة الأخرى كنت في الثالثة عشرة أركب دراجتي أمام منزل عمتي الصيفي، وأرتدي قميصا أزرق اللون وسروالا أبيض قصيرا، وأشتاق إلى الذهاب إلى الشاطئ كي أقابل أراش. كان أخي هو من التقط كلتا الصورتين.
وبدلا من فراشي القديم وجدت أريكة تفتح فراشا مغطاة بنسيج من الصوف التويدي في أحد الأركان. لمست كل قطعة أثاث، وبدا كل شيء حقيقيا. لماذا إذن أشعر وكأنني أحلم؟ بدا الأمر وكأن حياتي الحقيقية لا تزال في «إيفين»، وأن هذا العالم الآخر الذي انتقلت إليه؛ هذا المكان الذي كنت أدعوه منزلي وأتحرق شوقا للعودة إليه بدا لي غريبا غير حقيقي. «إنها الحقيقة، لقد عدت إلى المنزل، انتهى الأمر، انتهى الكابوس، جميل أننا انتقلنا إلى منزل آخر، إنها بداية جديدة، علي أن أنسى الماضي.»
أخرجت ملابسي المطوية من الحقيبة البلاستيكية التي أحضرتها معي من «إيفين»، وخطر في بالي أن ألقي بكل محتوياتها في صندوق القمامة، لكنني أدركت أني لا أستطيع القيام بذلك. كان وشاح الزفاف الأبيض يعلو كومة الملابس، وكنت قد لففته حول خاتم الزواج. أخذت نفسا عميقا وفضضت طيات الوشاح الحريري، ورأيت عليا بين ذراعي يحاول جاهدا التقاط أنفاسه. تمنيت لو كان العالم مكانا بسيطا كل الناس فيه إما أخيار أو أشرار. أعدت طي الوشاح على الخاتم وخبأته في ركن مظلم من خزانتي، ثم توجهت إلى النافذة. كان المطر قد توقف، وتدفقت أشعة الشمس عبر السحب على شكل شرائط ذهبية. كانت الساحة الخلفية شديدة الخصوصية والانعزال، فهي محاطة بأسوار قرميدية مرتفعة، وأحاطت بالمسبح الخالي الكثير من شجيرات الورد، وهنا سمعت أحدهم يقرع الباب برفق.
قلت وعيناي مثبتتان على الحديقة الهادئة: «تفضل.»
دخل أندريه ووقف خلفي ووضع يديه على كتفي، فشممت رائحة عطره وشعرت بدفء جسده. - «توقعت أن تعودي حاملة طفلا بين ذراعيك، ومع ذلك لم أكن لأتوقف عن حبك، ولم يكن شيء ليتغير.»
لم أتحرك من مكاني. لا يمكن أن يكون قد علم بأمر الطفل، لكنه قال ما أود سماعه تحديدا. أظن أنه سمع أن الفتيات يتعرضن للاغتصاب في السجن. حاولت أن أحبس دموعي. - «لا أحمل طفلا في أحشائي.» - «هل تعرضت للتعذيب؟» - «نعم. أتريد أن تعرف لماذا اعتنقت الإسلام؟»
صفحة غير معروفة