قلت وأنا أشعر أني أدفن حية: «... سأتزوجك.»
ابتسم، وقال: «أنت فتاة عاقلة. كنت أعلم أنك ستتخذين القرار الصائب، وأعدك ألا تندمي على هذا القرار. سوف أعتني بك جيدا. والآن علي عمل الترتيبات اللازمة وإخبار والدي. سوف يستغرق الأمر بعض الوقت.»
تساءلت عن رأي والديه في زواجه من سجينة مسيحية، وماذا عن عائلتي؟ كيف سيكون رد فعلهم؟
قلت: «علي، لا أريد أن تعلم أسرتي بأمر هذا الزواج الآن. لم أكن يوما قريبة من والدي، وأعلم أنهما لن يتفهما الموقف، وسوف يزيدان الوضع سوءا.»
لم أستطع مغالبة الدموع أكثر من ذلك. - «مارينا، أرجوك لا تبكي. لست مضطرة لإخبار أحد حتى تكوني مستعدة لذلك، ولا يهم كم يستغرق هذا الأمر من وقت. أدرك أن الأمر صعب عليك، وسوف أبذل كل ما بوسعي كي أجعله يسيرا.»
ما دام أصدقائي وعائلتي لن يعرفوا بأمر هذا الزواج، فهناك فرصة لنجاة الفتاة التي كانوا يعرفونها قبل دخولي «إيفين»؛ يمكنها أن تبقى وتحلم وتأمل وتحب مع أنها مضطرة للاختباء داخل تلك الفتاة الجديدة: زوجة المحقق. لم أكن متأكدة كم ستصمد الفتاة الأولى أمام هذا الوضع، لكني قررت أن أحميها؛ فهي ذاتي الحقيقية التي يحبها والداي وأندريه وينتظرون عودتها.
أعادني علي إلى «246»، وطلبت من الأخت مريم أن تنقلني إلى إحدى الغرف بالطابق السفلي؛ إذ لم أرغب في تفسير أي شيء لرفيقاتي. كان الطابقان العلوي والسفلي منفصلين تماما بحيث لا تستطيع السجينات التعامل معا، وأنا أرغب في البقاء وحيدة حيث لا يعرفني أحد، فوافقت وطلبت من مندوبة الغرفة «7» أن تحضر متعلقاتي إلى المكتب، وهكذا انتقلت إلى الغرفة «6» في الطابق الأول، وكانت على غرار غرفتي القديمة في الطابق الثاني تضم نحو خمسين فتاة.
وسرعان ما بدأت صحتي تتدهور، فأخذت أتقيأ كلما تناولت طعاما، وهاجمتني نوبات الصداع المبرحة الآلام، وقضيت معظم وقتي أنام في أحد جوانب الغرفة وأنا أغطي وجهي ببطانية ولا أستطيع الحديث . كانت أفكاري تتداخل وتتجه دائما نحو ترانه، كم أفتقدها! منذ أن اقتادوها للموت وأنا أتجنب التفكير فيها تماما، لأني لم أكن أرغب في تخيل تفاصيل الساعات الأخيرة من حياتها. لماذا ندير ظهورنا للواقع حين يصبح أشد قسوة من أن نحتمله؟ كان علي أن أخبر الأخت مريم أني أود الموت مع ترانه. كان لا بد من محاولة إيقاف إعدامها. أعلم أني لم أكن لأفلح في ذلك، لكن كان حريا بي أن أحاول. ألا تساوي حياة إنسان بريء خوض الحرب من أجلها، حتى ولو كان مآل تلك الحرب الفشل؟ كنت مسئولة عن موتها لأني قبلت الاستسلام لمصيرها، لكن لماذا التزمت الصمت؟ هل كنت أخشى الموت؟ لا أعتقد ذلك. ربما يكون الأمل؛ كنت آمل في العودة إلى المنزل ذات يوم، فوالداي وأندريه ينتظرونني. كيف أختار الموت إذا كان دوري لم يحن بعد؟ اختلط الصواب بالخطأ، ولم أدر أي طريق أسلك. •••
وقفت وسط بقعة مظلمة؛ ساحة مفتوحة تحيط بها تلال سوداء، ووقفت ترانه بجواري ترتدي سترتها الحمراء التي تجلب لها الحظ وتحدق أمامها. لمست يدها، فنظرت إلي بعينيها العسليتين. ظهر علي من وسط الظلام، وسار نحونا ثم صوب بندقية إلى رأسي. شلت حركتي، بينما قبضت ترانه بيدها الصغيرة على معصمه، وقالت: «كلا!» فصوب البندقية إلى رأسها وجذب الزناد. غطت دماء ترانه جسدي فصرخت.
استيقظت على صرخة محبوسة في حلقي، وعجزت عن التقاط أنفاسي. ظهر وجه أحدهم فوقي مبهما غير واضح المعالم، وامتلأت الغرفة بأصوات مرتفعة غير مفهومة، لكن عندما ينعدم الهواء، يكون أهم شيء هو العثور عليه. حاولت أن أمد يدي وأمسك بأي شيء ينقذني من الاختناق؛ حاولت أن أقول إنني لا أستطيع التنفس. رأيت وجه الأخت مريم؛ كانت تقول شيئا، لكن كلماتها بدت وكأنها تأتي من مسافة بعيدة. تلاشت معالم الغرفة وكأن أحدهم أطفأ النور.
صفحة غير معروفة