أخبرته أني لا أملك أدنى نية للانتحار.
كانت هناك امرأة ممتلئة الجسم تحاول أن تتجاوزنا كي تدخل المتجر، ويبدو أنها سئمت من انتظار انتهاء حديثنا، فقالت بلهجة يائسة: «بعد إذنكما.» وكادت تدفعنا بصندوق كبير من البصل. عندما استعاد أرام توازنه نظر إلي، فابتعدت عن الطريق وطمأنته مرة أخرى أنني سأكون بخير. وعندما واصلنا السير مددت يدي كي أمسك يده، لكنه جذبها بعيدا، وقال وهو يتلفت حوله وقد احتقن وجهه: «ماذا تفعلين؟ سوف يقبض علينا!»
قلت وأنا أغالب دموعي: «أنا ... أنا آسفة، إنني حمقاء، لم أفكر في ذلك.» - «آسف يا مارينا، لم أقصد إزعاجك، لكن كيف أسامح نفسي لو تعرضت للجلد لأنك أمسكت يدي؟» - «آسفة.» - «أترين؟ هذا سبب آخر يدفعك لمغادرة البلاد، فإمساك الأيدي ليس جريمة، وإن أخبرت أي شخص يعيش في دولة طبيعية بذلك، فسيعتقد أنها مزحة سخيفة.»
بعد بضع دقائق تذكرت أنني أود سؤاله هل يعرف أي شخص يستطيع الترجمة من الروسية إلى الفارسية، وأوضحت له أن جدتي دونت قصة حياتها وأنها أعطتني إياها قبل وفاتها، وأني بحاجة إلى من يترجمها إلى الفارسية. سألني لم لم أعهد إلى والدي بتلك المهمة، فأخبرته بأن جدتي ائتمنتني على تلك القصة، وربما لم تكن تود أن تصل إلى أيديهما، وأني أرغب في أن يساعدني في ذلك الأمر شخص لا يعرفني. أخبرني أن إيرينا لديها صديقة غريبة الأطوار قليلا، ولكنها تعرف لغات عديدة وتتحدث الفارسية والروسية بطلاقة، ووعدني أن يتصل بها.
كدنا نكون في منتصف الطريق إلى المنزل عندما لاحظت أن عاصفة على وشك الهبوب، فقد غطت السحب السماء. كان غريبا أن يتبدل حال يوم مشمس جميل هكذا خلال بضع دقائق. سمعنا أول قصف للرعد، ثم بدأت الأمطار تهطل. كنا بعيدين عن المنزل، ولا يوجد مكان نحتمي به من المطر. أخذت الأمطار تتساقط ببطء في بادئ الأمر، واستطعت أن أرى كل قطرة من المطر وهي تسقط على الأرض. ربما كان بوسعنا بلوغ المنزل قبل أن تشتد العاصفة، ولكن كلا، فات الأوان. انطلق هزيم الرعد مدويا وامتزجت قطرات المطر الرائعة معا، وهبت رياح قوية أحنت الأشجار وحولت المطر إلى موجة عاتية من المياه. اضطررنا إلى التوقف، وتلاشت ملامح الشارع المألوف لنا، واختفت الألوان الدافئة. لم نستطع العثور على طريقنا، فوقفنا مرتبكين ندرك أنه لا بد من مواجهة العاصفة. كان لا بد من أن نغلق أعيننا، ونقنع أنفسنا أنها ليست سوى لحظة عابرة.
في اليوم التالي اتصل بي أرام، وأخبرني أنه تحدث مع صديقة لإيرينا تدعى آنا، وأنها وافقت على لقائي. وبعد يومين اصطحبني أرام إلى منزل آنا الذي يقع في شارع هادئ متفرع من طريق «تخت الطاووس». قرعنا الجرس، فنبح كلب من خلف الباب الذي يصل الساحة الأمامية بالشارع، وسمعنا صوت سيدة تقول بالفارسية: «من بالباب؟» عندما أجبنا، فتحت آنا الباب؛ امرأة نحيفة طويلة في السبعينيات من عمرها، شعرها أسود كثيف يصل حتى كتفيها، وعيناها رماديتان واسعتان، ترتدي قميصا حريريا أبيض اللون وسروالا من الجينز الأزرق. حيتنا بالروسية، بينما تبعها كلبها الألماني. كان منزلها الصغير المكون من طابقين مليئا بالنباتات الاستوائية من كل الأحجام، حتى إننا اضطررنا لدفع الأوراق بعيدا عن طريقنا كي نتمكن من اتباعها نحو غرفة المعيشة حيث وجدنا ببغاء زاهي الألوان، وزوجا من الكناري يغني في قفص، وقطة سوداء أخذت تتمسح في ساقي. كان الجو يعبق برائحة التربة الندية، وكل حائط في الغرفة مغطى بخزانة مملوءة بالكتب.
سألتني آنا وهي تجلس: «أين النص؟» فأعطيتها إياه. أخذت تتصفح الأوراق، ثم تابعت: «سوف أحتاج بضع ساعات لترجمة هذه الأوراق.»
ثم وقفت وأرشدتنا إلى الباب وهي تقول: «كانت إيرينا تحبك كثيرا يا مارينا. يمكنك العودة مساء غد في الرابعة والنصف.»
في اليوم التالي فتحت لنا آنا الباب فور أن قرعنا الجرس، وأعطتني مذكرات جدتي وترجمتها.
قالت وهي تغلق الباب خلفها: «ها هي يا عزيزتي. لقد كانت جدتك امرأة حزينة ولكنها قوية.»
صفحة غير معروفة