نحتاج إلى الاعتماد على النفس، وعدم انتظار كل شيء من الحكومة؛ فاليهود شعب مشتت في الأرض، متفرق الكلمة، وليس له حكومة تجمع كلمته، وتدفع عنه الطوارئ والأخطار، ومع ذلك فقد تمكن رجل واحد من جمع كلمته، وجعله يتخذ خطة الهجوم، فلماذا لا نقوى نحن على الدفاع عن أنفسنا بأنفسنا، وننتظر من الحكومة أن تدرأ عنا كل مصيبة؟ هذا إقرار منا بالعجز والضعف، وهذا مما لا أريده لمواطني. فلو فرضنا أن بعض عمال الحكومة أرادوا بيعنا بمنافع خصوصية، هل نقبل بالعبودية وبالشقاء صاغرين؟ حكومتنا اليوم دستورية، والحكومات الدستورية للشعب، فإذا لم يستطع الشعب استخدام الحكومة لمصالحه الاجتماعية ومنافعه العمومية؛ فالشعب خامل وخليق بالانقراض.
نتعلم أيضا أن الصهيونية ورفيقاتها أصبحن جمعيات قوية غنية، فلمقاومة مقاصدهن يقتضى أن يكون كل صدر من صدور العثمانيين غنيا بالوطنية، ومن أجل ذلك فالبلاد تحتاج إلى قادة مخلصين كهرتسل ينكرون ذواتهم في سبيل المصلحة العمومية. عندنا كثيرون كهرتسل ولكن يعوزهم معرفة قدر نفوسهم، وشجاعة أدبية ليخطوا الخطوة الأولى؛ فليظهر هؤلاء ولا يبالوا، والظروف تخدمهم؛ لأن الأفكار تنبهت وصار عندها استعداد .
ليقم رجالنا ويبدءوا بتشكيل جمعيات تنادي بالعثمانية للعثمانيين، وتعلم الاقتصاد، وتزرع مبدأ عدم ترك أموال العثمانيين تتسرب في جيوب المستعمرين الذين ينازعوننا البقاء، ولا يعيدونها إلينا، بتأليف شركات تجمع الأموال بالغروش؛ ليشترك فيها الفقير والغني، فتشتري الأراضي، وتقوم بالمشاريع الزراعية والصناعية والتجارية، الصغائر تنتج الكبائر، فليبتدئ النشيط العاقل، وكل من سار على الدرب وصل.
نحن إذا كنا قضينا أجيالا نعاني البؤس والشقاء، لماذا لا نصير رجالا ونتمشى في طريق الحرية، ونعيش لوطننا ولأنفسنا، فلا نستمطر لعنات أجدادنا وأبنائنا علينا بإضاعة بلاد اشتراها الأجداد بدمائهم؟
وفي الختام: لا بد لنا من الاعتراف بفضل الأنصار الذين شدوا أزرنا في خدمة هذا الموضوع، ونادوا معنا بخطره، ونبهوا إلى ضرره، كما أننا لا نشكو ممن قاومونا، ووشوا بنا، وحاولوا إحباط مساعينا، ورشقونا بتهم دنيئة،
1
لا سيما من المسلمين أصحاب الحصة الكبرى في هذا الوطن العزيز؛ لأن مثل هذا كثيرا ما يكون نصيب أصحاب المبادئ وخدمة الأوطان.
صفحة غير معروفة