عادت «أوجيوجو» لتتناول الطاستين فشاهدت «وافو» وهو يلتهم الشوربة .. انتظرت حتى ينتهي وهي غاضبة، ثم لملمت الطاستين وذهبت لإخبار أمها .. كثيرا ما كان يحدث هذا ربما كل يوم.
قالت «ماتيفي»: هل تلومين النسر حين ينقض فوق الجيفة؟ ماذا تتوقعين من ولد تقوم أمه بصنع الشوربة من جراد السمك؟ .. إنها توفر نقودها لشراء أساور من العاج، مع أن «إيزولو» لا يرى أي خطأ فيما تفعل .. أبدا لا يرى أي خطأ. ولو كنت أنا التي تفعل ذلك لعرف عندئذ ماذا يقول.
بامتداد قطعة الأرض كان لكل امرأة كوخ منفصل، وكانت «أوجيوجو» تنظر تجاه أكواخ النساء الأخريات، وشيئا فشيئا لم تستطع أن ترى سوى ذلك المصباح المتأجج باللون الأصفر بين السطح وعتبة البيت، وكوخ ثالث يشكل مع كوخين آخرين شكلا يشبه نصف القمر .. إنه كوخ زوجته الأولى «أوكواتا» التي ماتت منذ سنوات كثيرة حتى لا تكاد «أوجيوجو» تستطيع التعرف عليها أو تذكرها .. إنها تتذكر فقط أنها كانت تقدم لكل طفل يذهب إلى كوخها قطعة من السمك والفول أثناء قيامها بعمل الشوربة.
كان كل من «آديز» و«إيدوجو» و «أكيوك» أبناءها الذين عاشوا في الكوخ بعد موتها حتى تزوجت البنات، وأصبح «إيدوجو» وحيدا في الكوخ، إلى أن تزوج بعد عامين، وبنى لنفسه بيتا فوق قطعة صغيرة من الأرض بجوار أبيه، لكن «أكيوك» عادت للكوخ مرة ثانية بعد أن غادرت بيت زوجها؛ لأن زوجها - كما قالوا - كان يسيء معاملتها، غير أن أم «أوجيوجو» كذبت ذلك قائلة: إن «أكيوك» متصلبة وعنيدة وفخورة بنفسها. إنها من نوع النساء اللاتي يذهبن إلى بيوت أزواجهن حاملات معهن كل ما تعودن عليه في بيوت آبائهن.
كانت «أوجيوجو» وأمها تهمان بالبدء في تناول طعامهما لما دخل «أوبيكا» وهو يصفر ويغني.
قالت «ماتيفي»: لقد جاء مبكرا اليوم فلتحضري طاسته.
دخل «أوبيكا» بيديه أولا خافضا رأسه تحت السقف المنخفض .. قدم التحية لأمه التي بادلته إياها بقرف .. ارتمى بكل ثقله فوق السرير الطيني .. أحضرت «أوجيوجو» طاسته المصنوعة من الطين المحروق، وجاءت له بالفوفو من حافة شجرة البامبو .. نفخت «ماتيفي» في طاسة الشوربة لإزالة ما علق بها من صدأ ورماد، ثم صبت الشوربة فيها، وقدمتها «أوجيوجو» لأخيها، وذهبت لإحضار الماء من الإناء.
رشف «أوبيكا» أول رشفة، ثم أمسك بالطاسة في اتجاه الضوء وظل يتفحصها بضيق: ما هذا؟ هل هي شوربة أم عصيدة اليام؟
واصلت كل من أمه وأخته طعامهما المتقطع دون الالتفات إليه. كان واضحا أنه شرب كثيرا من النبيذ.
كان «أوبيكا» واحدا من أكثر الشباب وسامة في «أوموارو» وكل المناطق المحيطة؛ فتقاطيع وجهه جميلة ومتسقة، وله أنف كالجوهرة، وجلد بشرته وجسده مثل جلد أبيه بلون الطين الناضج، حتى إن الناس كلما شاهدوه في مثل هذا البهاء قالوا بأنه لم يولد هنا في تلك الأجزاء وبين شعب «إيبو» في الغابات، لا بد أنه في حياته السابقة كان يعيش مؤقتا مع شعب آخر بجوار النهر يدعونه شعب «الأولو».
صفحة غير معروفة