309

فخرج فوقع في البحر، فأمسك الله عنه جرية الماء فصار مثل الطاق، فصار للحوت سربا، وكان لهما عجبا. ثم انطلقا، فلما كان حين الغداء قال موسى لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله، قال: فقال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فقال: {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا}. قال: يقصان آثارهما. قال: فأتيا الصخرة، فإذا رجل نائم مسجى بثوبه، فسلم عليه موسى فقال: وأنى بأرضنا السلام! قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى، إني على علم من علم الله، علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، قال: فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}. فانطلقا يمشيان على الساحل، فإذا بملاح في سفينة، فعرف الخضر، فحمله بغير نول، فجاء عصفور فوقع على حرفها فنقر -أو فنقد- في الماء، فقال الخضر لموسى: ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر -أو نقد- هذا العصفور من البحر.

قال أبو جعفر: أنا أشك، وهو في كتابي هذا "نقر". قال: فبينما هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يتد وتدا أو ينزع تختا منها، فقال له موسى: حملنا بغير نول وتخرقها لتغرق أهلها! {لقد جئت شيئا إمرا (71) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا (72) قال لا تؤاخذني بما نسيت } - قال فكانت الأولى من موسى نسيانا - قال: ثم خرجا فانطلق يمشيان فأبصرا غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ برأسه فقتله، فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (74) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا (75) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا}.

فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها، فلم يجدا أحدا يطعمهم ولا يسقيهم، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه بيده - قال: مسحه بيده - فقال له موسى: لم يضيفونا ولم ينزلونا، {لو شئت لاتخذت عليه أجرا}. {قال هذا فراق بيني وبينك} قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لوددت أنه كان صبر حتى يقص

صفحة ٣١٥