السر في الغلو
من الغلو في التقليد أن تحكم على طائفة من المسلمين بل ولو على مسلم واحد تركوا العمل ببعض ما صح عند البخاري ومسلم بترك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتنسبهم إلى الإبتداع كما يفعله الجلال والشوكاني وابن الأمير في مؤلفاتهم من نسبة أهل المذهب الزيدي ونسبة الحنفية والشافعية إلى الإبتداع وترك السنن، وكما نسمعه من المتسننين الجدد من أهل اليمن.
فهذا الصنيع هو من الغلو المنهي عنه في القرآن الكريم، وعلى لسان الرسول الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا?.
وإنما قلنا إن ذلك من الغلو والسرف ؛ لأن الشافعية بما فيهم إمامهم الشافعي من أهل العلم بالسنة، فعمل بما صح في نظره من سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الحنفية وإمامهم، والزيدية وأئمتهم كل عمل بما صح عنده من السنة بعد النظر والإجتهاد والتحري، وقد قال تعالى: ?لايكلف الله نفسا إلا وسعها?، وهذا فيما يتعلق بمسائل الأحكام العملية.
ومن هنا قال الحفاظ: إن مسلما لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وتغيض، وقال: سميته الصحيح !! فجعلته سلما لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثا يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم، ولما قدم مسلم الري خرج إلى أبي عبدالله محمد بن مسلم بن واره، فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحوا مما قال أبو زرعة. [انتهى من أضواء ص309].
وبناءا على هذا، فقد يصح الحديث عند قوم ويضعف عند آخرين، وقد يكون سند الحديث عند هذا مستوفيا للشروط المعتبرة في قبول الرواية بينما هو عند الآخر ليس كذلك، وفي الصحيحين كثير من هذا.
صفحة ١