صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

زكي فهمي ت. 1350 هجري
217

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

تصانيف

ولد الفقيد العظيم بمدينة المنيا من أبوين شريفين سنة 1882، ومن أعرق بيوت المجد حسبا ونسبا وجاها وثرة وكرما وفضلا ووالده هو فقيد الأمة والوطن والشهامة والرجولية الصحيحة، ساكن الجنان محمد سلطان باشا رجل مصر السياسي الوحيد الذي كان رئيسا لأول مجلس نيابي في مصر ودعامة من أبنائها يوم هبت العواصف الثورية، فرباه أعظم تربية وشب في مهد العز والجاه، فورث عن والده اسما كبيرا وحفظ كرامة بينه ونفسه جهد ما يتسع لمثله المجال وجهد ما تسمح الظروف والأحوال، فكان اسمه في كل مشروع نافع مفيد في مقدمة الأسماء، وكانت منزلته في كل عمل عمومي مقصد العاملين، يهتز للحسنة اهتزاز كل كريم، ويميل إلى الحسنة والإحسان ميل كل طيب العنصر، ولما جاز سن الفتوة وجه همه إلى إدارة ثروته الواسعة وتدارك ميراث أبيه الكبير.

اقتناؤه الآثار العربية

ومما يذكر له بالإعجاب جمعه في داره الرحبة الفنية المشيدة بالقاهرة على أتقن الطرز العربية متحفا عربيا نفيسا جمع من الآثار ما يعود تاريخ بعضه إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم يتنزل إلى عهد المماليك والأيوبيين حتى عهد الأسرة المالكة الآن على عرش هذا القطر المبارك، وكان هذا المتحف مقصد العارفين بالفن والمغرمين بتاريخه فهو قد جمع بجمعه كنزا ثمينا.

كان الفقيد العظيم وحيد أبيه فكان عماد بيت محوط بإكرام الأمة وإجلالها؛ لأن الأمة تتوق إلى صون كرامة بيوتها القديمة وعظمائها الذين خلفوا اسما وجاها، ومات وهو لم يعد يبلغ الخامسة والثلاثين عن طفلين صغيرين - بنت وصبي - لم تكد تحل عنهما التمائم رزء جلل في بيت كبير زال شبابه بزوال صاحبه، وأقفرت رحابه إلى أن يشب نجله - حفظه الله مهجته - فيعيد إلى ذلك البيت الكبير عظمته وجلاله.

تأصيله للخيل العربية

ومما اهتم به الفقيد في حياته أيضا تأصيل الخيل العربية وتحسين نتاجها، وقد اقتنى عددا كبيرا من الجياد المطهمة في مصر والمنيا، وكان وهو في المنيا ينشط هذه الأعمال بإقامة السباقات ويدعو إليها الأعيان من مصر القاهرة وسواها.

أعماله الجليلة في الجمعية الزراعية والجمعية الخيرية الإسلامية

وقد كان المرحوم الكريم عضوا في الجمعية الزراعية، وعضوا أيضا بالجمعية الخيرية الإسلامية بمدينة المنيا، فبرهن فيها على كفاءة ومقدرة فائقة وسداد في الرأي وما من مشروع خيري عام يفيد مديريته، ويجعلها في مصاف الأمم الراقية إلا ويكون الزعيم الأول فيه يساعده بمجهودات فكره وماله الفياض، ولا يمكن لهذا القلم أن يثبت أعمال هذا الفقيد الجليل، ومآثره الخالدة، ومجهوداته الفائقة واهتمامه الشديد في طرق الإصلاح والعمران وهذه مآثره الجليلة في مدينة المنيا ناطقة له بالفضل والشكر والفخر والإعجاب.

أخلاق الفقيد وصفاته

من كان شاهد يوم تشييع جنازة هذا الرجل العظيم، وسمع صراخ وعويل الرجال والنساء ودموعهم التي كانت تسيل من العيون كالمطر، والجموع المحتشدة والوابورات البخارية العديد التي أقلتهم إلى مدفن العائلة بقرافة الزاوية، حيث دفنت المروءة والإنسانية والشهامة ومكارم الأخلاق والإحسان والشفقة والمواساة؛ لإدرك ما كان عليه الفقيد العظيم من الصفات الحميدة، والخصال الفريدة، والتربية العالية والأدب الجم، والكرم الحاتمي، والبشاشة، والوداعة، واللطف، والمروءة، وحبه الأكيد لمواطنيه، وللقارئ الكريم أن يقدر ذلك من مشاهدة حوانيت المدينة المغلقة، وعويل القوم ونحيبهم حتى كادوا يدفنون أنفسهم أحياء لهول المصاب وعظم الخطب.

صفحة غير معروفة