صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

زكي فهمي ت. 1350 هجري
158

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

تصانيف

وليست هذه بأول أو ثاني مرة اعتقل فيها حضرة صاحب الترجمة، أو كان له شأن في الدفاع عن بلاده، فقد كان منذ صغره شغوفا بتحرير بلاده من سلطة الأجنبي، والسير بها إلى مصاف الأمم المستقلة، فكان من المؤيدين للجناب العالي الخديوي سنة 1892، عند تعيين وزارة فخري باشا رغم إرادة إنجلترا، فقبض عليه وأبقي في القسم ليلة حتى صدر الأمر بإخلاء سبيله.

وكان من أكبر أنصار المرحوم مصطفى باشا كامل يعمل معه حتى توفي إلى رحمة الله، واحتج من أوربا على محاكمة دنشواي بكتاب شهير في الجرائد.

وقد عين وكيلا للجنة الوفد المركزية على أثر اعتقال صاحبي السعادة محمود سليمان باشا رئيسها، وإبراهيم سعيد باشا وكيلها، وهو الذي وقع بهذه الصفة على منشور مقاطعة لجنة ملنر الإنجليزية.

وعين عضوا في الوفد المصري على أثر نفي دولة الرئيس وصحبه، واعتقل في يناير سنة 1922 على أثر إمضائه مع أعضاء الوفد بيان الوفد المصري في دعوة الأمة لمقاطعة الإنجليز وعدم معاونتهم.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن السيدة المحترمة قرينته كانت عونا عظيما له في حياته وجهاده، وقد اشتهرت بشجاعتها وإقدامها، حتى لقد قالت للضباط الإنجليز، الذين حضروا للقبض على زوجها: «لقد امتلأت سجونكم بالرجال، فعليكم أن تعدوا سجونا أخرى للسيدات.»

ترشيحه نائبا بالبرلمان المصري

ويرى مما تقدم من جهود حضرة صاحب الترجمة، وثبات جنانه وتحمله صنوف العذاب بصدر رحب، وإخلاص متناه أنه أهل لأن يكون نائبا للبرلمان المصري لكفاءته النادرة، وعلمه الواسع ووطنيته الخالصة المتقدة، وفعلا قد أجمع الناخبون لقسم الأزبكية على انتخابه نائبا عنهم بالبرلمان المصري، وقد ظهرت نتيجة التزكية بالفعل يوم 17 نوفمبر سنة 1923 الساعة الخامسة مساء، وكان انتخابه بالإجماع فأصبح بحكم قانون الانتخاب نائبا بالبرلمان عن دائرة الأزبكية، وحضرته والحق أولى أن يقال جدير بهذه الثقة، وسيحقق أماني دائرته بفضل ما أوتي من حكمة وسداد في الرأي وعلم صحيح ورجحان عقل.

تعيينه وزيرا لوزارة الأشغال العمومية

وما كادت الوزارة السعدية تعتلي منصة الحكم حتى اختير صاحب الترجمة وزيرا للأشغال العمومية ومنح رتبة الباشوية، ولم يقع هذا الاختيار موقع الدهشة من الأمة التي تعرف مكانة هذا البطل والوطني الصميم، الذي ما كاد يتربع في منصبه الجديد ويستلم زمامه بقبضة من حديد، حتى برهن في وقت وجيز على أن في السويداء رجالا، وفي الكنانة أبطالا، فأصدر التعليمات الدقيقة لرجاله بوجوب اليقظة في أعمالهم، وأبطل تعيين الموظفين من طريق المحسوبية مهددا بصارم العقاب لمن يخالف هذه الأوامر، وفي عهده طهر الوزارة من كبار الموظفين الأجانب، واستعاض عنهم بالوطنيين الأكفاء، وأمر برفع اللوحات المكتوبة باللغة الإنجليزية على أبواب أقلام الوزارة، ووضع مكانها لوحات باللغة العربية وهي لغة الدولة الرسمية، وفي عهده أصدر الأوامر بالمحافظة على آثار توت عنخ أمون الثمينة التي وجدت بالأقصر، ولما اتصل بمسمعه تعنت المستر كارتر شريك المرحوم اللورد كارنارفون، الذي كان مباشرا رفع هذه الآثار والمحافظة عليها، وعدم سماحه لكثيرين من المصريين بدخول تلك المقبرة، والتفرج على ما بها من الآثار وتفضيله الإنجليز عنهم؛ أسرع فأصدر أمرا بالكف عن العمل وتسليم مفاتيح المقبرة لجناب مدير مصلحة الآثار المصرية، الذي أوفده معاليه خصيصى لهذه الغاية، فاستحق على هذا العمل ثناء عموم الأمة على بكرة أبيها، وأمطرته الصحف على اختلاف أنواعها بالمدح والثناء، ولا ننسى لمعاليه سياحاته المتوالية في عواصم مديريات القطر؛ لتعهد شؤون الري، وكذلك لا تنسى خطبه الرنانة في كل مركز أو مديرية حل بها، كما لا يمكنا أن ننسى لمعاليه أجوبته السديدة، وآراءه الصائبة في كل سؤال يوجه إليه من أعضاء مجلسي النواب، فقد دل حقيقة على مقدرة عالية وكفاءة نادرة، ومواهب سامية قل أن تتوفر في عظيم من عظماء الغرب، وأظهر من التفاني في حب بلاده ما يصح أن يسجله التاريخ بقلم الفخر والإعجاب.

صفاته وأخلاقه

صفحة غير معروفة