والسبب الداعي للتعرض لآخر القسمين، أن الأئمة والعلماء -رحمهم الله تعالى- قد وضعوا في ذلك النصيب الوافر، والفضل المتكاثر، خلا أن ذلك مدرج في غصون تصانيفهم، وأعطاف تآليفهم، ولا يخفى ما قد عم وطم من القصور الظاهر في عالم العلماء، فضلا عمن لا يعد من قبيل أولئك الكرماء، فربما مر الحريص على الفائدة في موضعها عند الاشتغال بغيرها كالدرس مثلا فيترك تلك إشتغالا أو تكاسلا فيذهب كما قد جربت ذلك من نفسي مرارا من الأوقات وإرسالا، ولم أحض بطائل أعمارا طوالا، وأما من لم يكن من ذلك القبيل، فإنه يمنعه بعد السفر عن الوصول إلى القليل، ولم يوجد شيء من المراد مجموعا مقربا للباحث والطالب، وإن وجد خارجا فلم يقع الظفر به، ككتاب الذكر لمحمد بن منصور المرادي؛ وهو من أجل ما وضع في هذا الباب، وكتاب (عدة الحصن الحصين، وشرحه) لمحمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي رضي الله عنه، و(الأذكار) للنووي، و(سلاح المؤمن)، وغيرها فإن فيها كثيرا طيبا، وكذلك (الهدي النبوي) لابن القيم، و(منظومة شرحها الهدي)، كلاهما للعلامة الحسن بن إسحاق -رحمه الله- فإن في ذلك كثيرا لاشتماله على هديه صلى الله عليه وآله وسلم وخلائقه كلها ذكر وهديا وأمثال ذلك، لكنه عول على الحقير من لا يسعه مخالفته في مقصد صالح، ولا يستجيزها ومقصده أن يكون قطعة من الأدعية تختص بطرق الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ا لكرام، مما صح لنا طريقه وروايته وإن كان في صحيفة إمام هذا الفن وسيد أهل العبادة والزهادة زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام ما يشفي ويكفي، ولكن القصد الاقتصار على المرفوع من الأدعية النبوية، وربما تدرج شيء يسير من أدعية أمير المؤمنين علي عليه السلام لسببين: كونه نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكون المنقول عنه غالبه الرفع حكما كما ستقف عليه، ويكون ذلك مما طريقه متصلة بالأئمة عليهم السلام إلى جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أقرب للناظر وأيسر للخاطر، وربما نذكرمن أدعية بعضهم نزرا يسيرا إحتياجا أو إستحسانا وذلك لم يتعد موضعين أو ثلاثة إلا ما ندر، وكل ذلك مذكور منسوب ليختار الناظر العمل به أو تركه، وقد ذكر لي بعض مشايخي، مد الله مدته، أن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عليه السلام قد تعرض لأدعية الأئمة وهي مجموعة وسيسر الله الظفر بها لك إن شاء الله، فنظرت وإذا المعمول عليه لم يقم بالتعويل، إذ الخطب يسير والأمر جميل، لأن مطلوبه -عافاه الله- لم يكن من قبيل التصنيف ولا التأليف إنما هو جمع لمفترق أو تفريق لمجتمع، غير أني راج من ذي الأياد والطول، والقوة والحول، أن يجعل لي من أجل البحث والتسويد من الأجر نصيبا، وأن يفرج به وينفع قلبا كئيبا، ففي الصحيح: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث))، حتى قال: ((أو علم ينتفع به بعد موته))، واندارج هذا تحت جملة العلم اندراج ما أشار إليه حديث: ((إن لله ملائكة يطوفون يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله جلسوا إليهم))، حتى قال: ((فيقولون إن في فيهم فلانا رآهم فجلس، فيقول الله تعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم))، وهو متفق عليه، فجردت النفس لذلك المقصد مستعينا بالله الواحد الصمد، قائلا:
يا من عليه المعتمد، ومن فيض سماحه مستمد، أمدنا بنواصي بركات الإحسان، ومتعنا بلطفك العام التام الذي لا يختلجه منع ولا نقصان.
صفحة ١٢