الفصل الرابع
*المسلمون فى المدينة
بناء الدولة الإسلامية:
أصبحت «المدينة» منذ أن وصل النبى ﷺ إليها
منزل الوحى، ومعقل الإسلام، ومركز إشعاعه الذى أضاء العالم،
وشرع النبى فور وصوله فى بناء مسجده الذى شارك فى بنائه
بنفسه مع أصحابه، وكان بناؤه متواضعًا؛ حيث بُنى من الطين أو
الطوب اللبن، وكان سقفه من جريد النخل، وأعمدته من جذوعه،
وفرشه الحصى، كما كان مربع الشكل، طول ضلعه نحو مائة ذراع.
وهذا المسجد المتواضع البناء كان ذا شأن عظيم فى تاريخ الإسلام،
فلم تقتصر وظيفته على أداء الصلوات فيه، بل كان مدرسة تخرَّج
فيها الرعيل الأول من المسلمين، حملة لواء الإسلام ودعاته، مكانًا
تُعقد فيه الجلسات لمناقشة الأمور العامة التى تتصل بحياة المسلمين
ودينهم ودولتهم. وفيه استقبل الرسول ﷺ وفود
القبائل وسفراء الملوك والأمراء.
الإخاء بين المهاجرين والأنصار:
وهو الأساس الثانى الذى أقام الرسول ﷺ عليه
دولته، ذلك أن «المدينة» فتحت صدرها الرحيب للمهاجرين،
واستقبلهم الأنصار بحفاوة لا نظير لها فى التاريخ، فما نزل مهاجر
على أنصارى إلا بقرعة، لتنافس الأنصار وتزاحمهم على استضافة
المهاجرين، فآخى الرسول ﷺ بين الفريقين إخاءً
ربط بين قلوبهم جميعًا، فأصبحت عروة الإيمان فوق كل أسباب
الصلات البشرية، وأصبح النسب الإسلامى مقدمًا على سائر الأنساب.
معاهدة المدينة:
كانت الوثيقة الخالدة التى كتبها الرسول ﷺ مع
اليهود الأساس الثالث لدولة الرسول فى «المدينة»، فبعد أن اطمأن
على قوة جبهة المسلمين وسلامتهم، التفت إلى «المدينة»، فوضع
لها نظامًا عامًا ثابتًا يحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها
جميعًا؛ مسلمين وغير مسلمين، فاليهود يقيمون فى «المدينة» منذ
زمن طويل، وكانوا من قبل يقتسمون الزعامة مع الأوس والخزرج،
1 / 32