ثم روى البخارى سنده إلى ابن عباس فقال: إنى تماريت أنا وصاحبى هذا فى صاحب موسى الذى سأل السبيل إلى لقيه , هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: نعم , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما موسى في ملآ من بني إسرائيل ,جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا , فأوحى الله إلى موسى: بل عبدنا@ خضر ,فسأل موسى السبيل إليه , فجعل الله له الحوت أية , وقيل له : إذا فقد الحوت فارجع فإنك ستلقاه.
وكان يتبع أثر الحوت في البحر ,فقال لموسى فتاه (أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره...., قال: ذلك ما كنا نبعي فارتدا على أثارهما قصصا) فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذى قص الله عز وجل فى كتابه.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) 1: 153 عند شرحه لهذا الحديث ((هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم , لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه , ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله.
وفي الحديث: ركوب البحر في طلب العلم , بل فى طلب الاستكثار منه , ولزوم التواضع في كل حال)) .انتهى.
قال الحافظ البغدادي في ((الرحلة في طلب الحديث)) ص 53 عقيب هذا الحديث: ((قال بعض أهل العلم: إن فيما عاناه موسى من الدأب والسفر , وصبر عليه من التواضع والخضوع للخضر , بعد معاناة قصده مع محل موسى من الله عز وجل , وموضعه من كرامته وشرف نبوته: دلالة على ارتفاع قدر العلم وعلو منزلة أهله , وحسن التواضع لمن يلتمس منه ويؤخذ عنه.
ولو امتنع عن التواضع لمخلوق أحد , لارتفاع درجة وسمو منزلة , لسبق إلى ذلك موسى , فلما كان الجد والاجتهاد والانزعاج عن الوطن لمن يحرص على الاستفادة منه , مع الاعتراف بالحاجة إلى أن يصل من العلم إلى ما هو غائب عنه: دل على أنه ليس من الخلق من يعلو على هذه الحال ولا يكبر عنها)) . انتهى مصححا بقدر الإمكان.
2 وروى البخاري في ((صحيحه)) في كتاب المناقب في (باب قصة إسلام أبى ذر الغفاري رضي الله عنه) 6: 400 , وفي (باب قصة زمزم) 6: 400 أيضا , وفي (باب إسلان أبى ذر الغفاري رضي الله عنه) 7: 132 , وروى مسلم في ((صحيحه)) في (فضائل أبى ذر رضي الله عنه) 16: 32 واللفظ له عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النيى صلى الله عليه وسلم بمكة , قال لأخيه أنيس : اركب إلى هذا الوادي , فاعلم لي علم هذا الرحل , الذى يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء , فاسمع من قوله ثم ائتني.
فانطلق أنيس حتى قدم مكة وسمع من قوله , ثم رجع إلى أبى ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق , وسمعته يقول كلاما ما هو بالشعر , فقال أبو ذر: ما شفيتنى فيما أردت!
قتزود أبو ذر وحمل شنة له فيها ماء (1) حتى قدم مكة ' فأتى المسجد , فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه , وكره أن يسأل عنه , أنه غريب , ودعاه إلى منزله فتبعه , فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شي حتى أصبح. ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد , وظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى: فعاد إلى مضطجعه , فمر به علي فقال: ما أن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب به معه: ولا يسأل واخد منهما صاحبه عن شيء ,حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك , فأقامه علي معه , ثم قال له: ألا تحدثنى ما الذى أقدمك؟ قال: إن أعطيتنى عهدا وميثاقا لترشدني فعلت , ففعل , فأخبره , فقال: قإنه حق , وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفحة ١٤