تسأل باربرا: «لم؟»
ثم يتضح أنها لا ترغب في أن تكون مدرسة، أو أكاديمية، أو أمينة مكتبة، أو محررة، كما أنها لا تريد أن تصنع برامج وأفلاما وثائقية تليفزيونية، أو تقدم مراجعات للكتب، أو تكتب مقالات. إن قائمة الأشياء التي لا ترغب في أن تفعلها طويلة جدا. ظاهريا، هي ترغب في عمل ما تقوم به؛ تقرأ، تذهب في نزهات سير، تأكل وتشرب في متعة، ترافق صحبة ما. وما لم يقدر الآخرون ذلك فيها - أوقات انطوائها، كسلها الشديد (تساورها حالة من الكسل حتى حين تكون بصدد طهو وجبة رائعة لثلاثين شخصا) - لا يظلون ضمن الصحبة التي تسمح بمرافقتها.
عندما كان موراي مشغولا بعمليات التجديد واقتراض المال والانخراط في أنشطة المجلس المحلي، كانت باربرا تقرأ. إنها كانت تقرأ دوما، لكنها جعلت القراءة تأخذ قدرا أطول من وقتها. بدأ الأطفال في الذهاب إلى المدرسة. في بعض الأيام، لم تكن باربرا حتى تبرح المنزل. كان هناك فنجان قهوة دوما إلى جانب مقعدها، وكومة من الكتب المتربة الضخمة من المكتبة؛ «تذكر أشياء فائتة»، «يوسف وإخوته»، كتب ألفها كتاب روس أقل شهرة لم يسمع موراي عنهم من قبل قط. إن باربرا مهووسة بالقراءة، مثلما كانت أمه تقول - ألا تقلق من جلب كل هذه الكتب من المكتبة إلى المنزل؟ لا تستطيع أن تعرف أبدا من أمسك بهذه الكتب قبلها.
بقراءة هذه الكتب الثقيلة، صارت باربرا أثقل وزنا. ورغم أنها لم تصبح بدينة في حقيقة الأمر، زاد وزنها بمقدار عشرين أو خمسة وعشرين رطلا، كانت موزعة جيدا على قوامها الطويل، الذي لم يكن رقيقا قط. تغير وجهها أيضا - غشي اللحم معالمه الواضحة، ما جعلها تبدو أكثر نعومة وأصغر سنا. انتفخت وجنتاها وصار فمها أكثر غموضا. في بعض الأحيان، كان لديها - ولا تزال - تعبير الفتاة الصغيرة المستغرقة في أفكارها والعنيدة بعض الشيء. حاليا، تقرأ كتبا قصيرة لكتاب تشيكيين، أو يابانيين، أو رومانيين، لكنها لا تزال ثقيلة الوزن. لا يزال شعرها طويلا أيضا، وأسود، فيما عدا المنطقة حول الوجه، التي صارت بيضاء، كما لو كانت يلفها وشاح أبيض. •••
يقود موراي وباربرا السيارة خارج منطقة التلال، من الطرق المتعرجة التلية، إلى الطرق المستوية والمستقيمة للأراضي الزراعية. هما ذاهبان إلى والي لسبب محدد. قبل أسبوعين اكتشفت باربرا وجود ورم في أحد ردفيها. كانت تجفف نفسها بعد خروجها من بركة السباحة - كانت هذه هي المرة الأخيرة التي تسبح فيها، الدفقة الأخيرة من الطقس الدفيء خلال العام. كان الورم في حجم البلية. قالت دون أي شعور بالندم أو الذعر: «إذا لم أكن بدينة جدا، كنت سأكتشف هذا الورم على الأرجح قبل ذلك.» كانت وموراي يتحدثان عن الورم كما لو أنه سن نخرها السوس؛ مصدر إزعاج يجب التعامل معه. أزالت الورم في المستشفى في والي، ثم كان لا بد من أخذ عينة منه.
سألت الطبيب: «هل يمكن أن يكون هناك سرطان في الأرداف؟ يا له من أمر مهين!»
قال الطبيب إن الورم ربما لا يكون سوى مؤشر لشيء ما أكبر؛ مجموعة من الخلايا الخبيثة مصدرها مكان ما في الجسد. رسالة خفية. وربما تبقى مجرد سر غامض - خلايا خبيثة قد لا يمكن اكتشاف مصدرها قط. هذا إذا ثبت أنها خلايا خبيثة من الأساس. قال الطبيب: «سيظل المستقبل غامضا حتى نعرف كنه الأمر.»
هاتفتهما بالأمس موظفة الاستقبال لدى الطبيب وقالت إن النتائج ظهرت، حددت موعدا لباربرا لرؤية الطبيب في عيادته في والي في ذلك اليوم.
قال موراي: «هل هذا هو كل ما في الأمر؟» «كل ماذا؟» «هل هذا هو كل ما قالته؟» «كانت هذه هي موظفة الاستقبال، كان ذلك هو كل ما يفترض أن تقول.»
يقودان بين جدران من الذرة. تبلغ السيقان ثمانية أو تسعة أقدام ارتفاعا. سيقوم المزارعون بقطعها في أي وقت خلال الفترة القادمة. كانت الشمس منخفضة بحلول منتصف ما بعد الظهيرة بما يكفي لتتخلل أشعتها سيقان الذرة وتحولها إلى اللون الذهبي النحاسي. يقودان عبر تألق منتظم من الضياء، ميلا بعد ميل.
صفحة غير معروفة