وجدت جورجيا - التي كان شعرها الداكن ممشطا، وعيناها مرسومتين حسب النمط السائد تلك الأيام، ونهداها بارزين بأناقة - كل ذلك مربكا، ورائعا.
كان هارفي هو الشخص الآخر هناك الذي وجدت جورجيا مظهره مثيرا للإعجاب. فقد كان رجلا قصير القامة عريض المنكبين، بطنه بارز قليلا، وعيناه زرقاوان منتفختان، وارتسم على وجهه تعبير مشاكس. كان من لانكشير. كان شعره الرمادي خفيفا أعلى رأسه، لكنه طويل على الجانبين، وممشطا فوق أذنيه بطريقة جعلته يبدو أقرب إلى فنان من جراح. وفيما بعد قالت جورجيا لبن: «لا يبدو لي نظيفا بما يكفي ليكون جراحا. ألا تظن أنه يبدو أشبه بالمثالين؟ بأظافره المتسخة بالرمال؟ أظنه يسيء معاملة النساء.» كانت تتذكر كيف كان ينظر إلى ثدييها. وقالت: «إنه ليس مثل رايموند ... فرايموند يعشق مايا. وهو فائق النظافة.» (بعد بضعة أسابيع قالت مايا لجورجيا - بدقة متناهية - إن رايموند يمتلك مظهرا تولع به الأمهات جميعا.)
لم يكن الطعام الذي قدمته مايا أفضل مما قد يتوقعه المرء في عشاء عائلي، وكانت الشوكات الفضية الثقيلة قد فقدت لمعانها بعض الشيء. ولكن رايموند صب خمرا طيبا كان يحب الحديث عنه. ولكنه لم يفلح في مقاطعة هارفي، الذي راح يحكي قصصا مخزية تنم عن الطيش تدور أحداثها في المستشفى، وتحدث ببذاءة خالية من المشاعر عن مجامعة الموتى والاستمناء. ولاحقا، أعدت القهوة وقدمت - في غرفة المعيشة - ببعض الرسمية. جذب رايموند انتباه الجميع عند طحنه حبات القهوة في أسطوانة تركية. كان يتحدث عن أهمية الزيوت العطرية. فتطلع إليه هارفي - الذي قوطع أثناء رواية إحدى طرائفه - وقد علت شفتيه ابتسامة قاسية، بينما تطلعت هيلدا إلى رايموند بانتباه مهذب متأن. وكانت مايا هي من منحت زوجها تشجيعا كبيرا؛ إذ ظلت إلى جواره كأنها مساعدته، وقدمت إليه العون في وداعة ورشاقة. قدمت القهوة في أقداح تركية صغيرة جميلة، كانت قد اشترتها هي ورايموند من متجر في سان فرانسيسكو، مع مطحنة القهوة. واستمعت في أناة إلى حديث رايموند عن المتجر، كما لو كانت تتذكر متعا أخرى حدثت أثناء العطلة.
كان هارفي وهيلدا هما أول من غادرا. تعلقت مايا بكتف رايموند، مودعة إياهما. ولكنها ابتعدت عنه بمجرد ذهابهما، منحية كياستها الناعمة وسلوك الزوجة جانبا. تمددت بعفوية في وضع غير مريح على الأريكة وقالت: «لا تذهبا الآن. لا أحد يجد فرصة للحديث في وجود هارفي. ليس أمام المرء سوى أن يتحدث بعد رحيله.»
فهمت جورجيا الأمر. فقد رأت أن مايا كانت تأمل في ألا تترك وحدها مع الزوج الذي أثارته - لسبب أو لآخر - باهتمامها الاستعراضي به. رأت أن مايا كان يغلب عليها طابع الحزن، وكان يملؤها توجس مألوف عند نهاية حفل العشاء. أما رايموند فكان سعيدا. جلس في نهاية الأريكة، رافعا قدمي مايا المتثاقلتين ليجلس. وفرك إحدى قدميها بين كفيه.
ثم قال رايموند: «يا لها من همجية ... هذه امرأة ترفض أن ترتدي الأحذية!»
قالت مايا قافزة من مكانها: «براندي! ... كنت أعلم أن ثمة شيئا آخر يفعله الناس في حفلات العشاء. إنهم يحتسون البراندي!»
قالت جورجيا لبن، بمجرد أن فرغت من تعليقها على عشق رايموند لمايا ونظافته البالغة: «إنه يحبها لكنها لا تحبه.» لكن بن - الذي ربما لم يكن ينصت إليها جيدا - ظن أنها تتحدث عن هارفي وهيلدا .
وأضافت: «لا، لا، لا. أظن الأمر عكس ذلك تماما في هذه الحالة. من الصعوبة بمكان أن يعرف المرء ذلك مع الإنجليز. كانت مايا تمثل أمامهما. وأظن أن لدي فكرة عن السبب.»
وقال بن: «لديك فكرة عن كل شيء.» •••
صفحة غير معروفة