توجد غرفة نوم واحدة في شقة موريس، تركها لجوان، وينام هو على أريكة غرفة المعيشة. إن شقة مكونة من غرفتي نوم ستكون بالتأكيد أكثر ملاءمة في المناسبات التي يستقبل فيها زوارا، لكنه ربما لا يعتزم استقبال زوار، زوار كثيرين، أو كثيرا. كما لا يرغب أن يخسر الإيجار الذي يتحصل عليه من الشقة الكبيرة. ربما يفكر في أخذ إحدى شقق العزاب في البدروم، حتى يؤجر شقته الحالية أيضا، لكن ربما يظن أن ذلك سيكون صعبا. سيبدو كنوع من الشح، وسيجذب الانتباه إليه. سيكون نوعا من إرضاء الذات الذي من الأفضل تجنبه.
الأثاث الموجود في الشقة مأخوذ من المنزل الذي كان موريس يعيش فيه مع أمه، لكن لا يرجع معظمه إلى الفترة التي كانت جوان تعيش فيها في هذا المنزل. كل ما كان يبدو كتحفة قديمة بيع، واستبدل به أثاث حديث ومريح جدا تمكن موريس من شرائه بسعر الجملة. ترى جوان بعض الأشياء التي أرسلتها كهدايا عيد ميلاد، هدايا كريسماس، لم تتلاءم تلك الهدايا كثيرا مع المكان، أو تثر جوا من البهجة مثلما كانت تأمل.
بطاقة تحمل صورة كنيسة القديس جايلز تذكرها بالعام الذي قضته هي وزوجها في بريطانيا، حنينها المربك إلى بلادها في فترة دراستها العليا وحبها العابر عبر المحيطات. وهنا على الصينية الزجاجية أعلى مائدة القهوة، معروض بطريقة أنيقة وبارزة كتاب كانت قد أرسلته إلى موريس، كتاب حول تاريخ الآلات، توجد فيه رسومات للآلات، وتصميمات ماكينات، منذ أيام ما قبل ظهور التصوير، منذ أيام الإغريق، والمصريين القدماء؛ وصور فوتوغرافية من القرن التاسع عشر إلى الوقت الحالي: آلات طرق، آلات زراعية، آلات صناعية، مصورة أحيانا من مسافات بعيدة، وأحيانا إزاء الأفق، وأحيانا عن مقربة ومن أعلى. تركز بعض الصور الفوتوغرافية على طريقة عمل الآلات؛ صور صغيرة وكبيرة على حد سواء، بينما تركز صور أخرى على إبراز الآلات لتبدو فخمة مثل القلاع أو مزعجة كالوحوش. تتذكر جوان قولها إلى الصديقة التي كانت بصحبتها في متجر الكتب: «يا له من كتاب رائع لأخي! ... أخي مهووس بالآلات.» «مهووس بالآلات» كان ذلك هو ما قالته.
تتساءل الآن عن رأي موريس في هذا الكتاب: هل أعجبه على الإطلاق؟ لم يكن لينفر منه في واقع الأمر، ربما أصابه بالحيرة، ربما قلل من قيمته. في حقيقة الأمر، لم يكن مهووسا بالآلات، كان يستخدم الآلات - كان هذا هو ما جعلت الآلات من أجله.
يصحبها موريس في جولات بالسيارة في أمسيات الربيع الطويلة، يصحبها في جولات حول المدينة وفي الريف؛ حيث ترى حقولا شاسعة، وأفاقا من الذرة أو البقول أو القمح أو البرسيم، وكيف أن تلك الآلات قد مكنت الفلاحين من زراعتها، وترى كذلك مروجا شاسعة تشبه المتنزهات وكيف أن آلات جز الحشائش المدارة بمحرك سمحت بوجودها. تزهر مجموعات من زهور الليلك فوق الأقباء في المزارع المهجورة. يجرى دمج المزارع، يخبرها موريس، يعرف قيمة ذلك. لا يقتصر الأمر على المنازل والمباني بل الحقول والأشجار، والأحراج والتلال التي تستحضر في الذهن بقيم نقدية محددة وتاريخ القيمة النقدية الخاص بها، مثلما يعرف كل شخص يذكره باعتباره شخصا يحقق دخلا مرتفعا أو لا. ليست هذه الطريقة في النظر إلى الأشياء مفضلة على الإطلاق في هذا الوقت خصوصا، يعتقد أنها جامدة وقديمة وقاسية ومدمرة. لا يعي موريس ذلك، ويستمر في حديثه المركز على المال على نحو يشي باستمتاع هادئ من جانبه، يلقي بإشارة خفية من آن لآخر، يسر الضحك في نفسه عندما يشير إلى صفقات محفوفة بالمخاطر أو إلى مصائب كبرى.
بينما تستمع جوان إلى موريس، وتتحدث قليلا، تنجرف أفكارها في تيار مألوف ولا يقاوم، تفكر في جون برولير، عالم جيولوجيا، كان يعمل في شركة نفط، والآن يدرس (علوما ومسرحا) فيما يعرف باسم مدرسة بديلة، وهي مدرسة تقدم تعليما غير تقليدي. كان شخصا يحقق دخلا مرتفعا، أما الآن، فلا. التقته جوان في إحدى حفلات العشاء في أوتاوا قبل شهرين، كان يزور بعض الأصدقاء الذين كانوا أصدقاء لها أيضا. لم تكن زوجته في صحبته، لكنه كان قد أحضر طفلين من أطفاله. قال لجوان إنها إذا استيقظت مبكرا بما يكفي الصباح التالي فسيصحبها لرؤية شيء يسمى «الجليد الكريستالي العالق» على نهر أوتاوا.
تتذكر وجهه وصوته وتتساءل عما يغريها في هذا الوقت في رجل كهذا، لا يبدو أن الأمر يتعلق كثيرا بزواجها، يبدو زواجها رائعا بما يكفي؛ تضافرت جهودها هي وزوجها معا، من أجل تطوير لغة، وتاريخ، وطريقة مشتركة في النظر إلى الأشياء. يتحدثان طوال الوقت، لكنهما يتركان أحدهما الآخر وحده، أيضا. كانت المصاعب والمشكلات التي طفت إلى السطح خلال السنوات الأولى من زواجهما قد تضاءلت أو اختفت.
يبدو أن ما تريده من جون برولير هو الشيء الذي ربما يريده شخص لم يكن له صوت مسموع في زواجه، وربما في حياته من قبل. ماذا عنه؟ لا تظن أنه ذكي على نحو خاص وليست متأكدة من أنه محل ثقة (زوجها ذكي ومحل ثقة). ليس حسن المظهر كزوجها، ليس «جذابا» كرجل، لكنه يجذب جوان، وتظن أنه جذب نساء أخريات؛ بسبب قوته، نوع من الحدة، جدية بالغة، كلها مركزة على الجنس. لا تشبع رغبته بسرعة، ولا يمكنه تجاهلها بسهولة. تشعر بهذا، تشعر بالوعد الكامن في هذا، على الرغم من أنها ليست متأكدة من أي شيء.
بينما شمل زوجها في الدعوة لإلقاء نظرة على الجليد الكريستالي العالق، كانت جوان هي التي ذهبت وحدها بالسيارة قاصدة ضفة النهر. هناك قابلت جون برولير وطفليه وطفلي مضيفيه في فجر شتوي، متجمد، سماؤه وردية، مقيد للحركة بسبب الثلوج. حدثها عن هذا النوع من الجليد، عن طريقة تشكله أعلى المنحدرات النهرية دون أن يتجمد حتى الصلابة، وكيف عندما يزاح فوق منطقة عميقة يتكور في الحال في صورة كومة، في صورة رائعة. قال إن هذا هو السبب وراء اكتشاف مكان الحفر العميقة في قاع النهر. وقال: «انظري، إذا كنت تستطيعين الخروج وحدك - إذا كان هذا ممكنا - فهل يمكن أن تخبريني؟ أريد حقا أن أراك. تعرفين أني أريد ذلك، أرغب في ذلك، جدا.»
ناولها قطعة ورق لا بد أنه كان أعدها سلفا، مكتوب فيها رقم صندوق بريد لمكتب بريد في تورونتو. لم يلمس أصابعها حتى. كان أطفاله يثبون حوله، يحاولون جذب انتباهه. متى يمكن أن نذهب للتزلج؟ هل يمكن أن نذهب إلى متحف الطائرات الحربية؟ هل يمكن أن نذهب ونرى القاذفة لانكستر؟ (أضمرت جوان كل هذا لتخبر زوجها به، الذي كان سيستمتع بالاستماع إليه، بالنظر إلى مسالمة جون برولير.)
صفحة غير معروفة