«أيحب أحدكم أنْ يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه»، أي: كما تكرهون هذا طبعًا فاكرهوا ذاك شرعًا؛ فإنَّ عقوبته أشد من هذا» (١) .
أخي المسلم الكريم لقد صوّرَ اللهُ الإنسانَ الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة فمثّله بمن يأكل لحم أخيه ميتًا، ويكفي قبحًا أنْ يجلس الإنسان على جيفة أخيه المسلم يقطع من لحمه ويأكل.
والغيبة من كبائر الذنوب، وهي محرمة بالإجماع قال القرطبي: «لا خلاف أنَّ الغيبة من الكبائر، وأنَّ من اغتاب أحدًا عليه أنْ يتوب إلى الله ﷿» (٢) .
والغيبة مرض خطير، وشر مستطير يفتك الأمة ويبث العداوة والبغضاء بين
أفرادها، وهذا المرض لا يكاد يسلم منه أحد إلا من رحم الله.
ومرض الغيبة عضال، كم أحدث من فتنة، وكم أثار من ضغينة، وكم فرّق بين أحبة وشتت بيوتًا.
والغيبة فاكهة أهل المجالس الخبيثة، وغيبة أهل العلم والصلاح أشد قبحًا وأعظم ظلمًا؛ فلحومهم مسمومة، وسنة الله في عقوبة منتقصيهم معلومة.
ولعل من أسباب الغيبة الحسد، الذي يحصل لكثير من الذين ابتعدوا عن مراقبة
الله، فتجد الكثيرين يغتابون آخرين حسدًا من عند أنفسهم؛ لأنَّ أخاهم حصل على ما لم يحصلوا عليه.
ومن أسباب الغيبة المجاملة والمداهنة على حساب الدين؛ فتجد الرجل يغتاب أخاه المسلم؛ موافقة لجلسائه وأصحابه.
ومن أسباب الغيبة الكبر واستحقار الآخرين؛ لأنَّه يثقل عليه أنْ يرتفع عليه غيره فيقدح بهم في المجالس؛ لإلصاق العيب بهم، وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (٣) .
_________
(١) تفسير ابن كثير: ١٧٥٠.
(٢) تفسير القرطبي ١٦ / ٣٣٧.
(٣) جزء من حديث عبد الله بن مسعود الذي أخرجه مسلم في صحيحه ١/٦٤ (٩١) (١٤٧) .
1 / 6