تبتدئ هذه المجموعة بقصيدة عنوانها «سؤال الطبيعة» وفيها يقول الشاعر:
إذا طلع الفجر ونظرت إلى الطبيعة المصبحة جدولا وحقلا وقطيعا وشجرا موحشا، رأيت كأنما هي أطفال مكبوحة على مقاعد الدراسة تشخص إلي، وكأنما قد طالت عليها ثقلة الأستاذ في أساليبه فبردت حرارته، ورانت على وجوهها السآمة والضجر والإعياء، وكأنما تهمس بسؤال كان مسموعا ثم تخافت حتى لا تنبس به الشفاه: عجبا! عجبا لا انقضاء له أبد الزمان! ما بالنا نحن قائمين حيث نقوم في هذا المكان، أتراها حماقة جليلة - قادرة على التكوين، ولكنها غير قادرة على القصد والترسم - خلقتنا في مزاح، ثم تركتنا جزافا لما تجري به الصروف، أم تراها بقية من حياة إلهية تموت فقد ذهب منها البصر والضمير، أم تراها حكمة عالية لم تدركها العقول نحن فيه فرقة الفداء والغلبة المقدورة للخير على الشر هي مقصدها الأخير، كذلك يسألني ما حولي وما أنا بالمجيب، وما تبرح الريح والمطر والأرض في الظلام والآلام كما كانت وكما سوف تكون، وما يبرح الموت يمشي إلى جانب أفراح الحياة.
هذه فاتحة المجموعة! وقد أحسن صاحبها في الاختيار والابتداء، فالفاتحة هي الألف والياء في فلسفة هاردي وفي كل ما نظم وصنف من قصيدة ورواية، والحق أن سآمة الرجل في هذه الأبيات قد نفذت إلى لب الحياة، وجلت لنا روح السآمة أكأب جلاء، فقد كنا نحسب السآمة فترى في النفس المتعبة فترة فإذا شجر هاردي يسأم ويتبرم ويسأل: ما بالنا نحن مقيمين حيث نقوم في هذا المكان، وإذا به يسأم في طلعة الصبح حين ينشط الفاتر، ويتبدد النعاس، ويستأنف الفرح بالوجود.
وفي المجموعة قصيدة أخرى إلى القمر، على صيغة السؤال والجواب بين الشاعر وجوالة السماء يقول في تلك القصيدة:
ماذا رأيت أيها القمر في زمانك، وقد عدوت الآن طور الشباب.
آه. لقد رأيت ويا طالما رأيت، رأيت المليح والجليل، ورأيت الحزين والأليم، ورأيت الليل والنهار، فيما غبر بي من الزمان ، وماذا سلاك في زمانك أيها القمر، وأنت في عزلتك تلك وفي ذلك البعد السحيق.
آه، لقد تسليت، ويا طالما تسليت! تسليت بالنماء والذبول. بالأمم تحيا وتموت وتجن ويعروها الدوار. تسليت بكل ذاك فيما غبر بي من زمان.
وهل عجبت أيها القمر لشيء في ذلك التجوال حيث أنت في نجوة من الأرض ومما تصل إليه؟
أي، لقد عجبت ويا طالما عجبت، عجبت لتك الأصداء تتوارد إلي من جانب الناس في ذلك التجوال.
وماذا ترى أيها القمر في الطريق. أشيء هذه الحياة يذكر أم ليست هي بذاك.
صفحة غير معروفة