تفصيل وجوه الإحسان
ونبدأ الآن بوجوه منها قال سابور بن أردشير تقدم إلى أمنائك بإحصاء ذوي الحاجة والمسكنة من أهل الأدواء والزمانة الذين لا يستطيعون الإحتراف لأنفسهم ولا يرجعون إلى كفاية بأموالهم ثم أجر عليهم الكفاية السابغة فإن الملوك أحق بمؤونتهم من الرعية وقال علي بن أبي طالب للأشتر تفقد أهل اليتم والزمانة والرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وأقم لهم كفايتهم وجه آخر قال أرسطوطيلس ينبغي للملك أن يصرف همته إلى تفقد حال من لا يمكنه رقع ظلامته إليه من ضعيف وفقير ومسكين ومبتلى وقال علي بن أبي طالب للأشتر تفقد أمر من لا يصل إليك ممن تحتقره النفوس ووكل في العناية بأمورهم وتفقد أحوالهم وإنهائها إليك أهل الحسبة والتواضع
وجه آخر
وقال سابور لابنه هرمز اعلم بأنك وإن اجزلت العطاء ووسعت الأرزاق لا تنال مودة أصحابك إلا بأن تتعهدهم يالصلة والحباء واعلم أنه قد يكون فيهم من يشره إلى الطلب فيسئل ومنهم من يطوى عنك حاجته ويصبر والصواب أن تحتمل الحريص على حرصه وأن تزيد من جاملك في أمره ووفرك بتركه النظر له بك واعلم بأن بذل المال لذي رأي تستضيء بذاته أو مبارز تصول بشجاعته أو وزير تثق به ويكفيك طائفة من عملك بحسن قيامه أو شريف في سلطانك تتزين به تأبيد لملكك ورفعة لأمرك وعايد إليك به أكثر ممما بذلت لأن ذلك يبعثهم على صدق الموالاة وحسن المعاونة لك في شأنك قال وإذا أمرت لأمرئ من هؤلاء أو غيرهم بحباء أو صلة فاسم بنفسك عن أن يكون حيث يناله بصرك وجه آخر من الإحسان قال أرسطوطيلس للإسكندر ينبغي للملك أن يعلم أن من الناس ناسا لا يهنئهم قضاء حوائجهم من دون مخاطبتهم الملك فينبغي أن يمكنهم من ذلك وإن بعد ذلك من نعم الله عليه وقال علي للأشتر اعلم من الناس من لا يقنع منك بأن تقضى حاجته من دون مشافهتك إياه بها وذلك ثقيل على الولاة والحق كله ثقيل قال فينبغي أن تجعل لذوي الحاجات قسطا من سخطك وذهنك وأن تسهل عليهم كلامك ومراجعتك قانون قال أنوشروان ليكن اجتهاد الملك في إرضاء الله بحسن الطاعة له وفي أحياء الرعية بحسن النظر لهم وينبغي مع ذلك أن يجتهد في إعلاء ذكره ومما يرفع الذكر ويبقيه إحداث المدن وعمارة بيوت الله وإقامة البيمارستانات لإقامة المرضى وإقامة الأطباء لعلاجهم ومنه قال أنوشروان المرحمة ثمرة كل حكم و علم هي الجامعة لكل بر وصلة وقلة الرحمة قائد إلى فاحشة وعظيمة وفظيعة .
ذكر الأسباب التي تتولد منها الآفات المفسدة للساسة المؤدية إلى خراب العمارة وإلى فقر الرعية
في خذاى نامه قال سابور أردشير لابنه هرمز أصل ما يفسد به الولاة والعمال فيخربوا العمارة ويفقروا الرعية ثلاث أحدها مشاركة الملك إياهم في الشره وفي فضل الحرص على جمع المال وعلى اجترار المنافع إلى أنفسهم من غير وجوهها فيقع الظلم وبالظلم يرتفع البركات وتخرب العمارات وتقل الأموال والثاني ترك العدوى على العمال وترك استخراج الظلامات منهم لإيجاب أو حرمة أو ألف أو هوى والثالث الإهمال والإضاعة وذلك بأن يترك تفقد أحوالهم وأمورهم ومعرفة سيرتهم وأفعالهم
ذكر شيئين آخرين
قال سابور لابنه هرمز وأحذرك أمرين آخرين يكسبانك المقت ويحملانك على اظلم وعلى إفقاد الرعية وتخريب العمارة وإفساد الملك والمملكة ونماء الشرف والمفاخرة بما يتباهى به المتنافسون ويتبذخ به المسرفون من جميع الأشياء فإن الناس الذين هم حاشيتك وعمالك وأعوانك إذا رأوا ذلك منك تقيلوا بك واستنوا بسنتك ورغبوا في تغيير أحوالهم وفي الزيادة في مروؤاتهم من الأبنية والبساتين والآلات والعبيد والمراكب والأثاث وغير ذلك وإذا أرادوا ذلك لم يكفيهم ما تعطيهم وتجريه عليهم فيتسخطوا إحسانك ويستقلوا معروفك ولم يقنعوا بجرايتك ورزقك وبعطائك وصلتك وإن أضعت ما تعطيهم وأضعفت لأنه ليس للمسرف الشره حد فيقف عنده فإن رمت إرضاءهم لم يحتمله دخلك وإن حرمتهم صاروا حربا لك وفتحوا مع ذلك أبواب الخيانات والجنايات عليك وتركوا نصيحتك في أمورك وتربصوا الدوائر عليك وبك قال اعلم بأنه إنما يفاخر المرء أقرانه وأكفاءه والملك فلا شبيه له ولا نظير
ذكر الأسباب المؤدية إلى الإهمال
قال أفلاطن آفة الملك الإهمال والأسباب التي تولد الإهمال ثلاث أحدها استهتار الملك بالشرب والثاني الشغف باللعب والسماع والثالث الولوع بالنساء وهذه كلها مفسدة للفكر ومقطعة للزمان ذكر سبب آخر للإهمال وقال أرسطوطيلس وأحد أسباب الإهمال الأمن فإن الأمن يؤدي الناس إلى ترك استعمال الآداب والسنن ويؤدي الملك إلى ترك أخذهم بإقامتها وباستعمالها فإن فجئهم الأمر لم يجدوا أنفسهم قال وأيضا فإنهم إذا استطابوا لذة العطلة وسلموا من العقوبة في ترك سنة تجروا على ترك السنة جملة قال ولذلك أقول بأن التقلب في الخيرات أصعب من مقاسات السرور قال ولهذا أقول مدة من حنكته التجارب تكون في الملك أطول ذكر سبب آخر من أسباب الإهمال وقال أرسطوطيلس وأحد أسباب الإهمال التهاون بالأمر الصغير للإعتماد على فضل القوة وتوفر العدة قيل لمروان بن محمد وكان من أشهم ملوك بني أمية وبه ختمت دولتهم كيف فجعكم الأدبار فقال لإستخفافي بما كان يكتب به نصر بن سياد قال وذلك أنه كان دائما يكتب فسدت الدولة فغاظني ذلك منه وأردت أريه القدرة فرأيت القدرة قانون وقال أرسطوطيلس للإسكندر إذا وليت أحدا فحذره الخلاف وأقسم عليه بالوعيد
صفحة غير معروفة