قال أرسطوطيلس إن الذين قد استولت عليهم الشهوات واللذات لا سبيل إلى استصلاحهم بالكلام فإنه وإن أحب أن يفعل الجيد والنافع وترك القبيح والضار لا يمكنه ذلك لتمكن العادات الفاسدة منه قال وإن مخاطبة الجاهل بالعقل كمخاطبة العاقل بالجهل وفي التجاوز عن أهل الفساد توهين لأمر السنة والسياسة وإضرار بأهل الصلاح وقال أفلاطن إنه ليس كل أحد ينقاد بالرفق والكلام فلا بد من العقوبة ومن الهوان قال أفلاطن وينبغي إذا عاقب أن لا بعاقب بغلظة وقسوة لكن برقة ورحمة فإن أصحاب الفواحش والآفات أولى وأحق بالرفق والرحمة من أصحاب العلل والعاهات
أدب كثير
قال أفلاطن وكما لا ينبغي للصاحي أن يعظ السكران أو يعذله كذلك ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له وقال سابور أردشين لابنه هرمز اعلم بأنه ليس يستفيض الأمن في العامة إلا بأن يكون الخوف شاملا لأهل الريبة والخيانة فينبغي أن تخيفهم وتشردهم وأن تقطع أطماع من له حق أو حرمة من تحرمك لهم فيهم عند وجوب العقوبة عليهم ولا ينبغي أن تداهن في أمرهم وقال أفلاطن واجب على الرئيس أن ينظف المدينة من الأخلاق السبعية وهي التي أفسدتها الطبيعة أو الغذاء الرديء فإنه إن لم ينظف البلد منهم بأن ينكل بهم ويشردهم أفسدت هي الأخلاق السليمة وقال الجاحظ أي رئيس كان خيره محضا فقد خالف الله في تدبيره وظن أن رحمته فوق رحمته فعدم الهيبة وأفسد الرعية ولو كان الناس كلهم يصلحون على الخير لكان الله بأن يقتصر بهم عليه أولى فإذا لم يقتصر بهم على ذلك فقد بان بأنهم إنما يصلحون على اللين والشدة والعفو والعقوبة والمنع والعطية قال وإذا كان الأمر على ما قلناه فقد عاد الشر خيرا والمكروه محبوبا والمنع عطاء قال ونقول خير الخير ما كان ممزوجا وشر الشر ما كان صرفا قال وقد قيل بعض العفو إغراء وقتل البعض إحياء ومنع البعض إعطاء فلا بد من الوعد والوعيد ومن البشر والعبوس قال ولو كان الشر صرفا هلك الخلق ولوكان الخير صرفا انقطعت المحبة ولو انقطعت المحبة سقطت الفكرة ومع عدم الفكرة عدم الحكمة ومع عدم الحكمة عدم الإنسانية ولولا الحكمة لكانت البهيمة أفضل لأنها ألذ عيشا وأرغد قال وإنه ليس بلية أعظم ضررا من ملابسة من لا يراقب الله ولا يتقيه ومن مقاربته ومجاورته فإنه إذا كان بالله عارفا وعليه مجترئا ولحقوقه مضيعا ولإحسانه كافرا فإنه عليك أجرأ ولحقوقك أضيع وبإحسانك أكفر وإن كان بحقوق الله جاهلا كان بحقك أجهل وقال عمرو بن العاص لمعاوية احذر طغيان اللئيم وخصاصة الكريم فإن اللئيم إنما يصول إذا شبع وأما الكريم فإذا جاع
البحث عما قاله أفلاطن بأنه ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له وهو من قبل [؟]
فأقول وقد يجب أن ننظر فيما قاله أفلاطن من أنه ليس ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له إذ كان مخاطبة الجاهل ومن لا أدب له كالضروري تعليما وتأديبا وأمرا ونهيا وإعذارا وإنذارا ومراده عندي أنه ليس ينيغي أن يعتمد في أمر الجاهل ومن لا أدب له على المخاطبة وذلك بأن يظن أن الخطاب كافية ولكنه يجب أن يجوز المخاطبة إلى أخذه بالهوان والشدة
في الفصل بين عقوبة الأولياء المخالفين وبين عقوبة الأعداء المنابذين
قال أفلاطن واجب على السائس أن يفصل بين ما يستحقه الأعداء وبين ما يستحقه المخالفون لنا من الأولياء قال وأقول يجوز في الأعداء القصد إلى قتلهم وسبيهم وإلى تخريب عمارتهم وإحراق منازلهم وليس يجوز شيء من هذا في مخالفينا من الأولياء بل القصد في التغيير عليهم وفي مجاهدتهم تأدبيهم وتقويمهم وردهم إلى حسن الطاعة فقد بان إذن أن الواجب فيهم وفي أملاكهم الإستبقاء قال وأقول يجب أن يقبض أملاكهم وأن ينتفع بها ما داموا في طغيانهم فإذا استقاموا تابوا رددنا عليهم
في الجنايات التي لا يجوز احتمالها والحيلة في تعريفها
قالوا كانت الأكاسرة تتجاوز عن كل ذنب إلا ثلاث الطعن على الملك والخيانة في الحرم وإذاعة السر وكانت حيلتهم في معرفة المنحرف عن الملك والطاعن أنهم قد كانوا نصبوا رجلا في صورة المتألفين يداخل السلطان ويطعن على الملك ويسهل عليهم سبيل الطعن ثم إنه كان يرجع إليهم بخبر من يساعده وبخبر من يرد عليه مقالته ولا يساعده وكانت حيلتهم في معرفة الخيانة في الحرم أنه كانوا يحولون من يريدون اختياره إلى الدار وكانوا يوكلون به من يحفظه ثم يدسون إليه بجارية رائعة الجمال مليحة المقال قد أعدت لذلك على سبيل السفارة وكانوا يأمرون الجارية بأن تؤنسه من نفسه وبأن تبرز له محاسنها وأن تطعمه في نفسها شيئا فشيئا على الأوقات وكانت حيلتهم في معرفة من لا يكتم سرهم أن ينظروا من الذي يصافيه الذي يريدون اختياره ثم يقولوا له إن الملك على قتل صاحبه ثم يتأملوا وجه الذي قيل بأن الملك يريد قتله فإن رأوا فيه تغيرا علم الملك أنه قد أخرج سره إليه
ومن الجنايات التي لا تطلق السنة احتمالها والتجاوز عن عقوبتها
صفحة غير معروفة