المحمود من العشرة هو أن يكون بالمقدار الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي وذلك هو التوسط فيما بين الزيادة والنقصان والإفراط فيه مذموم وكذلك النقصان والمفرط فيها رجلان متودد ومتملق ويفرق بينهما أن المتودد إنما يفعل ما يفعل ليحب لا لشيء آخر وأما المتملق فإنما يفعل بسبب المنفعة فإذا لم يصل إليه ما يحب تغير قال ويجتمع بينهما أن كل واحد منهما يجتهد في أن يكون معاشرته لمن يعاشره على النوع الذي يحبه ويلتذ به وأما الذي يكون إلى طرف النقصان فإنه يسمى المتمقت ونقول المتمقت هو الذي يدع المساعدة في كل شيء الجميل والقبيح والضار والنافع قال وإن التودد من الضعيف يعد ملقا ومن القوي كبر همة وتواضعا
في المعاشرة بالهمة والفعل من دون الإختلاط
قال أرسطوطيلس وكما أن الفضائل بعض بالهمة وبعض بالفعل كذلك الصداقة والعشرة فإن بعضهم قد يعاشر بعضا بالفعل وقد يعاشر بالهمة لا بالفعل وذلك إذا كانوا قياما ومفترقين قال وأقول ألأصل في العشرة المساعدة على الفعل والكرامة فإن كل واحد إنما يفعل ما يفعل الآخر ويكرم بالفعل قال وأقول إنهم وإن كانوا مفترقين فأنهم ليسوا بمباينين وذلك من قبل اشتراكهم في الأفعال إذ كان كل واحد إنما يفعل ما يفعله صاحبه وإذا كانوا قياما كانوا مشتركين في الهمة لأن همة كل واحد أن يفعل ما يفعله صاحبه قال والتواضع لا يحلل الصداقة بنوع مبسوط لكن ترك الفعل وذلك بأن الفعل متى ترك صارت الفتنة مرمته فأدى إلى نسيان الصداقة ولذلك قيل بأن السلم حال صداقات كثيرة
في معاشرة الإنسان ذاته
قال أفلاطن واجب على كل واحد من الناس أن يكرم ذاته قال وأقول البدن مستحق للكرامة بالطبع وكذلك النفس وما يستحق النفس أكثر لأنها أشرف وقال لأنها سمائية وأما البدن فأرضي وكرامة النفس أكبر لأنها أشرف من البهيمية قال وأقول كرامة الذات ليست تكون على جهة واحدة لكن على جهتين مختلفين قال وذلك من قبل أن حالة الناس فيها ليست واحدة لكن اثنتان وذلك أن منهم من تكون ذاته فاضلة أو متهيئة لقبول الفضيلة ومنهم من تكون ذاته خسيسة وممتنعة من قبول الفضيلة فكرامة الذات الخسيسة لون وكرامة الذات الفاضلة لون قال وأقول كرامة الذات الخسيسة إنما تكون في ممانعتها من شهواتها وفي مضادتها في أفعالها وفي مجاهدتها دائما بردها عما لا يجب إلى ما يجب وبقلة الثقة بها وفي ترك الإعتماد عليها قال وينبغي أن يعلم أنه متى أطلق لها أن تفعل ما شاءت وأحبت فقد أهانها غاية الإهانة وأذلها غاية المذلة وعرضها للآفات والهلكة وذلك من قبل أن شهواتها رديئة فاسدة ولذاتها ضارة ممرضة وأن من لذاتها المعشوقة عندها لذة العطلة طلبا للراحة من تعب اكتساب الفضيلة ثم حبها للذة الحياة على كل حال وفي راحتها إفسادها وإهلاكها وذلك لأن صلاحها وإحياءها إنما هو في إتعابها بالتعب المحمود وأول ذلك إقامة العبادات لله ثم اكتساب الفضائل الخلقية والفضائل المهنية كالصنائع والحرف وفوق ذلك كله العلم والحكمة فإنه لن يوصل إليهما إلا بالتزام التعب الدائم والكد المتصل وإيثارهما للحياة الذميمة وهي التي تكون بجهل وذلة ورعونة انقطاع عن الخيرات العظيمة فإن هذه لا تنال إلا عقب الخياة الذميمة وبالإستهانة وبسخاوة النفس عنها من أجل الحياة الفاضلة وذلك من قبل أن هذه الخيرات العظيمة لا تنال من غير ركوب الأهوال الهائلة والأخطار العظيمة والخطر خطران أحدهما ما يتخوف من الأعداء إذا حضروا للبلاء والآخر ما يقع من الأصدقاء عند هيجانهم من أجل تكرههم مخالفة طريقتهم وما يكونون عليه أو عند رغبتهم في أن يترك الواحد حظه لحظهم وينتصب في معاونتهم على أمرهم ثم يلحقه الخطر إن مانعهم وليس يمكنه ترك الأرفع والأشرف الأفضل بسببهم وكرامة الذات الفاضلة إعزازها وإيناسها وموافقتها ومساعدتها قال أفلاطن ينبغي للفاضل أن يؤنس ذاته وأن يزيل عنها الوحشة بالرجاء وذلك بأن يمنيها العافية إذا مرضت والأمن إذا خافت والفرح إذا اغتمت والسلامة إذا ارتاعت من نزول آفة وقال أرسطوطيلس الفاضل يعاشر ذاته ويحبها ويكون لها كما يكون لصديقه فإنه يحب لها السلامة والبقاء والخيرات ويكون عندها كما يكون عند صديقه قال وإنه يعاشرها بالفكرة ويشاركها في الألم وفي اللذة ويسرها وينفعها ويذاكرها بما قد عملت ليفرحها به ويرجيها الخير فيما تستأنف قال و إنما يذم الناس من يحب ذاته لظنهم بأن الذي يحب ذاته هو الذي يحب لها اللذات ويريد لها الشهوات ويخصها بالأموال وبالكرامات قال وبحق يذم من فعل ذلك قال وأقول إن ذات أهل الردي مبغضة له لأنها مخالفة وذلك لأنها لا تساعدهم في الجميل ولا في النافع ولا في ترك الضار والقبيح ولكنها تخالف في ذلك كله فهم يجذبونها إلى جهة الخير والنفع والجميل وهي تجذبهم إلى جهة الشر والضر والقبيح فهو معها في بلاء ومحنة وإنما يهرب أهل البلاء من الوحدة ولا يصبرون عليها ويطلبون من يفنون نهارهم بالحديث معه لأنه ليس لهم مع ذواتهم أنس فإن ذاتهم تعاديهم وأي أنس مع المضاد المخالف الشره المنازع وأما ذات أهل الفضيلة فإنها قد صارت صديقه بالموافقة وذلك لأنها لا تشتهي إلا ما يشتهون ولا تريد إلا ما يريدون وتكره ما يكرهون وتعادي ما يعادون وتوالي من يوالون
ما جاء من الكلام المنثور في المعاشرة
قال الحكيم لا تجالس امرءا بغير طريقته فإن ذلك من سوء العشرة وذلك أن تلقى الجاهل بالعلم والفدم بالفصاحة والساذج بالأدب قال ومن سوء العشرة أن تذكر عند مغتبط بولاية سرعة الحوادث وتقلب الدول وكذلك [؟] ما صار إليه يكون من سوء العشرة قال ومن سوء العشرة أن تقطب في غير وجه من أساء إليك عليك بالقصد فإن طلب رضا الناس غاية لا تدرك خالط الأخيار وذوي العقول وجانب الأشرار والجهال وقد قيل خالطوا الناس وزايلوهم وقال أرسطوطيلس كما لا يصلح أن تستأثر بالطعام على المؤاكلين كذلك الحديث مع المجالسين إن أردت أن تلبس ثوب الجمال عند الخاصة والعامة فكن عالما كجاهل وناطقا كعي فإن العلم يرشدك ويزينك وترك ادعائه ينفى الحسد عنك لا تعتذرن إلى من لا يجب أن يجد لك عذرا ولا تحدثن من لا يرى حديثك مغنما ولا تستعن بمن لا يحب أن يظفر لك بحاجة ما لم يغلبك الإضطرار ذلل نفسك بالصبر على جليس السوء وعلى جار السوء وعلى عشير السوء فإن ذلك لا [؟؟؟] يعني من سمع بأخبار الناس فسيصير إلى الخلوة قيل لسولن والد أفلاطن ما أصعب الأشياء على الإنسان فقال أن يعرف عيب نفسه وأن يترك ما لا يعنيه
في المداعبة والراحة
قال أرسطوطيلس قد يظن بأن الراحة والمداعبة في سيرة الإنسان ضروريتان والتوسط في اللعب هو الظرف والمستخلق به ظريف والزيادة فبه فدامة والمستخلق به فدم قال وإن الفدم لا يشتهي أن يقول أو يسمع لا ما يحسن ولا ما لا يحسن ومنهم من يسمع ولا يقول قال وأما الماجن فبخلاف ذلك ومن المجان المحاكي والمضحك وإن المضحك قصده أن يمكون كلامه مستملحا كله وقصده أن لا يغم أحدا وكذلك لا ينكب أحدا قال وأما المحاكي فإنه ينكب ويوحش ويقول أشياء لا يستحسن الأديب أن يسمعها
ما جاء من الكلام المنثور فيها
صفحة غير معروفة