الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

إين براون ت. 1450 هجري
45

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

تصانيف

بالطبع كانت دار رعاية جيدة، بل ممتازة. أكدنا ذلك لبعضنا، ولم نخرج في تلك الليلة، ولكن بدلا من ذلك بقينا في المنزل وشاهدنا التليفزيون، متعجبين من الهدوء، والوقت الخالي الكثير الذي أصبح متاحا لنا فجأة. فترات كبيرة من الزمن وكأنها ستائر في الهواء. يمكننا مشاهدة التليفزيون! أي شيء نريده! والولد، الذي كنا نتطلع لمساعدته في النوم، كنت أظن أنه في حجرة اللعب السفلية مع أولجا، حيث يلعبان غالبا، ثم تذكرت أن القبو أصبح فارغا، لم يعد هناك شيء إلا الحوائط البيضاء والأرضية الرمادية، ولم يعد هناك ولد مغامر غريب يستكشف أركانه ورفوفه وخزائنه مرات ومرات ثانية، كما لو أنه يعرف أنه يحتوي على كنز، مهما تكن صعوبة العثور عليه. الولد القرصان، في أعماق منزلنا الصغير، لم يعد موجودا. وحتى اليوم لا أستطيع أن أتذكر تلك الليلة دون حالة صمت غريبة تتملكني، دون الرغبة في وضع أصابعي في أذني، حتى لا أستطيع سماع ضحكه، وصراخه، وثرثرته. ***

اعتدنا على الروتين الجديد. كان ووكر يعيش في بيته الجديد: كان يأتي لمنزلنا كل عشرة أيام في زيارة لمدة ثلاثة أيام، إضافة إلى عطلات نهاية الأسبوع والإجازات الطويلة. كانت ميندا تتصل بنا كثيرا لتطمئن على سير الأمور بالنسبة إلينا، وكنت على حذر من أي إشارة تدل على رفضها لما قمنا به. ففي النهاية، ميندا نفسها أم، ولا أستطيع أن أتصور أنها لا تزدري بعض الشيء - في نفسها - الآباء الذين لا يمكنهم رعاية أبنائهم؛ لأن هذا التفكير كان يوجد بداخلي، ولكني كنت مخطئا: فبعد ظهر أحد الأيام بعد سنتين تقريبا من انتقال ووكر، ذكرت ميندا ما قد شاهدته في منزلنا في ذلك اليوم الذي زارتنا فيه للمرة الأولى. كنا نشرب القهوة في إحدى ضواحي المدينة، في طريق عودتنا من أحد اجتماعات تخطيط الرعاية لووكر.

قالت: «من الناحية البدنية، كنت أنت وجوانا مجرد شبحين، كان هناك أب وأم يحبان طفلهما، حاولا رعايته بقدر المستطاع، وكانا يعملان أيضا، ولديهما طفلة أخرى أيضا. كنتما تفكران في الأمر بنظرة مستقبلية: أيجب أن تعاني هايلي أيضا؟ كانت العاطفة واضحة، والكفاح الذي كنت أراه فيكما والألم الذي كنتما تتحملانه؛ لقد وصلتما إلى الحد الأقصى من المعاناة.»

توقفت عن الحديث، وملأت كوب القهوة مرة أخرى.

ثم واصلت ميندا كلامها قائلة: «لم تكن شكواكما خيالية؛ فكل أسرة لها حالتها الخاصة، فالأمر مجرد مستويات، ويتعلق بقدرة الأسرة على التكيف مع الأمر واستجابتها له، وعليكما أن تطلبا المساعدة؛ لأن الحاجة إليها شيء وطلبها شيء آخر تماما، إذ يعني هذا أنكما لا تستطيعان النهوض بالأمر بمفردكما أكثر من ذلك. من يقول بعد ذلك: إن لديكما طفلا لم تستطيعا تربيته؟!» ***

26 فبراير عام 2006

ذهبت لآخذ ووكر، يبدو أنه ليس لديه صديقة واحدة بل صديقتان: شانتال، التي ترتدي الآن حزام ظهر بسبب مرض الانحناء الجانبي للعمود الفقري الذي تعاني منه، وكريستا لي، وهي بنت جميلة في الرابعة عشرة من عمرها تجلس على كرسي متحرك، وووكر معجب بها بشدة. شانتال أكثر تسلطا وتدفع بنفسها في المنطقة التي يكون بها ووكر، بينما تنتظر كريستا لي؛ لذا كان يذهب إليها.

ابتكرت كاتي - وهي أحد أفراد كتيبة الرجال والنساء الذين يعملون في دار الرعاية - طريقة لمنع ووكر من ضرب نفسه، دون اللجوء إلى الخوذة المصنوعة من الفوم التي يكرهها؛ وذلك باستخدام علب برينجلز فارغة، مدعومة بأدوات خفض اللسان الطبية والشريط اللاصق الذي يستعمله الكهربائي، ومغطاة بقماش زاهي اللون، والأطراف الداخلية محشوة ببعض المطاط، وتوضع العلب على ذراعيه، حتى كتفيه؛ فيمنعه هذا من ثني ذراعيه ورفع قبضتيه للكم رأسه. وبعد سنوات من العذاب، يأتي الحل في ابتكار لا يكلف سوى بضعة سنتات.

ما زلت أشعر بالخجل من نفسي حين يسأل الناس لماذا لم يعودوا يرون ووكر كثيرا، ولا يمكنني أن أقول لهم إنه يعيش هنا معظم الوقت، ولكن جوانا أكثر ثباتا مني؛ فقد قاومت مغادرته، ولكنها وافقت الآن على هذا الترتيب وتؤيده. وفي أحد الأيام، بينما كنا نجلس أمام طاولة المطبخ وهي تستمتع بقراءة الصحيفة قالت لي: «أشعر كما لو أنه يخص الآخرين الآن، كما يخصنا.» (وما زلت أشعر بأن امتلاك الوقت للقيام بمثل هذا النشاط يعد أمرا غريبا مثل زيارة لاس فيجاس.) وهو بالتأكيد قد بدأ يتعود على المكان هناك. منذ فترة ليست طويلة ذهبت أولجا وجوانا لتوصيل ووكر بالسيارة إلى «هناك»، كما أطلق على هذا المكان، بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع هنا في البيت. دخل ووكر دخول الزاهدين، وتعثر في سلة المهملات وألقى برأسه في صدر تريش، المسئولة الليلية، ثم أخذ جوانا وأولجا كلا من يدها، وبرفق ولكن بحزم اصطحبهما إلى الباب الأمامي، وأراد منهما أن يغادرا. نوبة غريبة من التحرر!

يأخذ الآن جرعة جديدة من الريسبيريدون وعقارا جديدا لعلاج الارتجاع، ومزاجه في حالة أفضل. بيد أن هناك زيادة كبيرة في ثقته الانفعالية؛ فالعيش فقط في عالمنا كان يجعله يرى عيوبه في كل مكان، لكن في منزل قضاء العطلات الجديد الذي يعيش فيه، كان محاطا بأقرانه، وأصبح صلبا مثل غيره. وأتمنى أن يكون تركه في دار الرعاية هو الهدية التي قدمناها له. ***

صفحة غير معروفة