الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

إين براون ت. 1450 هجري
32

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

تصانيف

لم نكن ممن يتلذذون بالإعاقة. قابلت هؤلاء الناس أيضا، آباء الأطفال المعاقين الذين يستمتعون بالمعاناة التي هم فيها، وجعل الآخرين يشعرون بالذنب والأفضلية. أكره هؤلاء الناس، وأكره شعورهم بأحقيتهم في الغضب وتظاهرهم بأن إشفاقهم على ذواتهم الذي لا يمل شجاعة وشفقة، وعدم قدرتهم على تحقيق أي تقدم، أو طلب مساعدة، فهم يريدون أن يتكيف العالم مع ظروفهم، في حين - بقدر ما أستطيع أن أصوغ ذلك في كلمات - لا أريد إلا طلبا يسيرا؛ أن يعترف العالم بأن حياتنا؛ حياة ووكر وهايلي وزوجتي وأنا، لا تختلف عن حياة أي شخص آخر، فيما عدا درجة التركيز والانشغال. أدرك أني كنت واهما. يسأل الناس في الغالب: «كيف تتمكن من فعل ذلك؟ كيف لا تزال قادرا على الضحك، وعندك ابن مثل هذا؟» والإجابة بسيطة: الأمر أصعب مما يتصوره أي إنسان، ولكنه مرض ومجز أكثر أيضا، وما لم يقولوه: لماذا تبقون عليه في البيت معكم؟ ألم يكن هناك مكان ما يمكن لطفل مثل ووكر أن يجد فيه الرعاية؟ حيث لا يتحمل الوالدان العبء كله، ويتيسر لهم بعض الوقت ليتفرغا فيه للعمل والعيش ومراعاة حالهما الآن وفي المستقبل؟

سألت نفسي هذين السؤالين أيضا. كنت أدرك أنه يتعين أن يعيش ووكر في مكان خاص برعاية المعاقين في نهاية الأمر، ولكن هذا بالتأكيد بعد عدة سنوات، وكنت أتناول هذا الموضوع عرضا، حتى في البيت. قلت بشكل عفوي ذات مرة على الإفطار: «علينا أن نضعه في قائمة انتظار طويلة الأجل لمكان رعاية.» غالبا ما كنت أفكر في المشكلة وأنا في الفراش بالليل.

ودائما ما كانت ترد جوانا: «أوه، لست مستعدة لذلك.»

وأقول لها: «لا، لا، ليس الآن، فيما بعد.»

بمجرد بلوغ ووكر سن الثانية، بدأ يؤذي أذنيه ويعض نفسه، ولم يتوقف عن هذا لمدة عام ونصف العام. ظننا أنه يعاني من ألم في الأسنان والأذن، واتضح عكس ذلك. ظهر مصطلح «تشويه الذات» لأول مرة في السجل الطبي لووكر في شهر مارس عام 1999، قبل عيد ميلاده الثالث بوقت قليل. وبسرعة بدأ يتحول إلى ضرب نفسه في الرأس. كان يلكم نفسه، كما يفعل الملاكم البارع، وأطلقت هايلي على ذلك «اللكم الشديد» وتبعناها في ذلك.

المفارقة أنه كان يحرز تقدما إلى حد ما: دقة أكبر في مسك الأشياء بأصابعه، وقيامه بالأكل بنفسه قليلا. (كان يحب الأيس كريم. إذا استطعت أن تجعله يبلعه، فالأيس كريم كان يجعله يبتسم ويعبس - من البرودة - في الوقت نفسه.) وأصبح بإمكانه تتبع الأشياء والإشارة بيده عند توديع شخص، والغمغمة كثيرا مثل المجنون.

ثم توقف عن التواصل معنا.

هل السبب كراهية للذات؟! تعجبت من ذلك. أخذناه لعيادة إعادة تأهيل مشهورة، تسمى «مركز رعاية الأطفال بلورفيو ماكميلان» (وهي تسمى الآن «مركز بلورفيو لإعادة تأهيل الأطفال») في شمال تورونتو، حيث اطلع على حالته معالج سلوكي. في الأماكن الأخرى حين يرى الناس عليه الكدمات يتساءلون عما كنا نفعل بطفلنا. ولاحظ دكتور ساوندرز أنه «لا يستطيع التواصل.»

أحيانا يتألم ووكر ألما شديدا حين يضرب نفسه بعنف ويصرخ من الألم، وفي أحيان أخرى بدا أن هذا يحدث بصورة أشد، كطريقة يريح بها رأسه، أو لكي يعرفنا أنه كان يمكن أن يقول شيئا إذا كان باستطاعته الحديث. أحيانا - وهذا أمر محزن لا نطيقه - كان يضحك بعد ذلك مباشرة. لا يستطيع قول أي شيء لنا، وكان علينا أن نخمن. وازدحمت حياتنا بكثير من المتخصصين. تم تشخيص حالة ووكر بأنها توحد وظيفي - ليس توحدا إكلينيكيا، ولكنه كان يتصرف كما لو أنه مصاب بذلك - إضافة إلى إصابته بمتلازمة القلب والوجه والجلد. وعالجه دكتور ساوندرز بأدوية البروزاك والسليكسا، والريسبيريدون (وهو دواء مضاد للاختلالات النفسية، يستخدم في علاج مرض الفصام؛ إذ إنه يخفف سلوك الوسواس القهري عند الأطفال)، ولكن لم تجد نفعا هذه الأدوية. وذات مرة وبينما نحن في بنسلفانيا، ضرب يده ضربا مبرحا، وبعد ساعة من إجراء جراحة ليده لعلاج الإصابة، قضى ليلة في المستشفى (ودفعنا فاتورة بقيمة 14 ألف دولار أمريكي).

بدأت ملاحظات الدكتور ساوندرز تسجل جوانب مرعبة أكثر فأكثر. على سبيل المثال: ««اللكم الشديد» للأذنين لمدة 2-3 أيام.» أتذكر ذلك الصباح، وبخاصة نظرة الحزن الشديدة التي حلت على وجه ووكر حين ضرب نفسه بعنف. كان ينظر إلي مباشرة، وأدرك أن هذا أمر سيئ وخاطئ، وعلم أنه يؤذي نفسه، وأراد أن يوقف ذلك ولكنه لم يستطع، فلماذا لا أستطيع أنا؟ وأصبح نحيبه البسيط مخيفا وعاليا. ومنذ شهر يونيو عام 2001 إلى ربيع عام 2003، ذكر كل إدخال في سجله الطبي تعاسته وسرعة انفعاله.

صفحة غير معروفة