قَالَ الله لِمَلائِكَتِهِ: إِنِّي قَدْ غَفَرتُ لَهم، فَجَلِّلُوهُم بِالرَّحْمَةِ، قَالَتِ المَلائِكَةُ: يا رَبَّنَا! إِنَّ فِيِهمْ فُلانًا، قَالَ: هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" (١).
فَيَا مَنْ حَصَلَتْ لَهُ السَّعَادَةُ بِمُجَالَسَتِهِم! إِيَّاكَ أَنْ تَضُرَّ نَفْسَكَ بِعَدَاوَتهِمْ وَبُغْضِهِمْ، فَاغْتَنِمْ أَنْفَاسَهُمْ وَنُفُوسَهُمْ، فَهُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بِهمْ جَلِيسُهم، طُرُقُهُمْ مُسْتَقِيمَةٌ، وَمُصَاحَبَتُهم سليمةٌ، ونفوسُهم رحيمةٌ، فالربحُ لمن خدمهم، ومَنْ ليسَ منهم، فهم القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم، لهم أحوالٌ ظاهرة، ونفوسٌ طاهرة، وقلوبٌ عامرة، وليس لهم رغبةٌ في الدنيا، وإنما رغبتُهم في الآخرة، فهم مغبطون في الدارين، بمنازلهم الظاهرة.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: ثنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا أبو جعفرٍ: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبونعيبم: ثنا محمدُ بن جعفرٍ: ثنا جعفرُ بن محمدٍ: ثنا مالكُ بن إسماعيلَ، وعاصمُ بن عليٍّ، قالا: ثنا قيسُ بن الربيعِ: ثنا عمارةُ بن القعقاع، عن أبي زُرعةَ، عن عمرِو بن جريرٍ، عن عمرَ بن الخطابِ ﵁، قال: قالَ رسول الله ﷺ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله نَاسًا ما هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِمَكَانِهم مِنَ الله ﷿". فقال رجل: مَنْ هم، وما أعمالهُم؛ لعلَّنا نحبُّهم؟ قال: "قَوْمٌ يَتَحَابونَ بِروحِ الله ﷿ مِنْ غَيْرِ أرحَامٍ بَيْنَهُم، وَلا أَموَالٍ يَتَعَاطَوْنها بَيْنَهمْ، وَالله! إِنَّ وُجُوههُم لَنُورٌ، وإِنَّهُمْ
_________
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٣٥٨).
1 / 34