مجموعة مؤلفات الإمام يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ﵀[٢]
«صب الخمول على من وصل أذاه إلى الصالحين من أولياء الله»
تأليف
الإمام يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الدمشقي الحنبلي
المولود سنة ٨٤١ هـ - والمتوفى سنة ٩٠٩ هـ
رحمه الله تعالى
بعناية
لجنة مختصة من المحققين
بإشراف
نور الدين طالب
دار النوادر
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
«صَبُّ الخمُولِ عَلَى مَنْ وَصَل أَذَاهُ إلَى الصَّالِحِينَ مِنْ أوْلِيَاء اللهِ»
1 / 3
جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة
الطَّبْعَةُ الأُولَى
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
ردمك: ٨ - ١٧ - ٤١٨ - ٩٩٣٣ - ٩٧٨ lSBN
دَار النَّوَادِر
سورية - لبنان - الكويت
مُؤسَّسَة دَار النَّوَادِر م. ف - سُورية * شَرِكَة دَار النَّوَادِر الُّلبْنَانِيَّة ش. م. م - لُبْنَان * شَرِكَة دَار النَّوادِرِ الكُوَيْتِيَةٍ ذ. م. م - الكُوَيْت
سورية - دمشق - ص. ب: ٣٤٣٠٦ - هاتف: ٢٢٢٧٠٠١ - فاكس: ٢٢٢٧٠١١ (٠٠٩٦٣١١)
لبنان - بيروت - ص. ب: ١٤/ ٥١٨٠ - هاتف: ٦٥٢٥٢٨ - فاكس: ٦٥٢٥٢٩ (٠٠٩٦١١)
الكويت - الصالحية - برج السحاب - ص. ب: ٤٣١٦ حولي - الرمز البريدي: ٣٢٠٤٦
هاتف: ٢٢٢٧٣٧٢٥ - فاكس: ٢٢٢٧٣٧٢٦ (٠٠٩٦٥)
www.daralnawader.com - [email protected]
أسَّسَهَا سَنَة: ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م نُورُ الدِّيْن طَالِب المُدِير العَام وَالرَّئيس التَّنفيذي
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه، ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أمّا بعد:
فقد روى البخاريُّ في "صحيحه" من حديثِ أبي هريرةَ ﵁ قال: قال رسولُ الله ﷺ: "إنَّ الله قال: مَنْ عَادى في وليًا فَقد آذنتُه بالحَربِ ... " الحديث، وقيل في هذا الحديث: إنَّه أشرفُ حديثٍ في ذِكْرِ الأولياء، فأولياءُ الله تعالى تجبُ موالاتُهم، وتَخرُمُ معاداتُهم، كما أنَّ أعداءَه تجب معاداتُهم، وتحرُمُ موالاتُهم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾؛ فاللهُ تعالى يتولَّى نُصْرَة أوليائه، ويحبُّهم ويؤيِّدهم، فَمَنْ عاداهم فقد عادى الله تعالى وحَارَبَه (١).
_________
(١) انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص: ٣٦٠).
1 / 5
وفي هذا ألَّفَ الإمامُ يوسفُ بنُ عبدِ الهادي كتابَه اللطيف: "صَبُّ الخُمولِ على مَنْ وصل أذاه إلى الصالحين مِنْ أولياء الله"، ذاكرًا خِصَالهم وصِفَاتِهم، محذَرًا فيه مِنَ الوقيعة فيهم بقولٍ أو فعل، وأوردَ فيه من قصصِ الصالحينَ والأولياءِ وحكاياتِهم مما يُسَرِّي عن كثيرٍ من أهل الخير والصلاح، ومعرِّفًا فيه ما أوجبَ لهم الفَضْلَ والفلاح، ونَثرً فيه حكاياتِ مَنْ تَعَرَّضَ للصالحين بالأذى والظُلم، وكيف أخملَ اللهُ ذِكْرهُم، وأمَاتَ صِيْتَهم، وقَطَع نَسْلَهم.
إذا رأيتَ ذَوي بَغْي فَقُلْ لهم ... ستندمونَ وحَاذِرْ أَنْ تُساكِنَهم
فمِثْلُهم في الوَرى كانُوا جَبابرةً ... (فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم)
* * *
هذا وقد تمَّ -بفضل الله تعالى- الوقوفُ على النسخةِ الخطية الفريدة لهذا الكتاب، وهي النسخةُ المحفوظةُ بدار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم (١١٤١)، وهي بخطِّ المؤلف المعروف بغرابة الشكل، وصعوبة القراءة، وقلَّة الإعجام، وتقع في (٨٣) لوحة.
* * *
* هذا وقد تمَّ تحقيق هذا الكتاب وفق الخطة الآتية:
١ - نسخُ الأصلِ المخطوط اعتمادًا على النسخة الخطية المُشار إليها، وذلك بحسب رسم وقواعد الإملاء الحديثة.
1 / 6
٢ - معارضةُ المنسوخٍ بالمخطوط؛ للتأكُّد من صحة النص وسلامته.
٣ - عزو الآيات القرآنية بذكر اسمِ السُّورة ورقم الآية، وجعلها بين معكوفتين في صُلْب النص، وإدراجها برسم المصحف الشريف.
٤ - تخريج الأحاديثِ النبوية الشريفة تخريجًا لائقًا بخدمة النَّصِّ المحقق.
٥ - توثيقُ الآثار والحكايات التي نقلها المؤلف ﵀ في ثنايا الكتاب.
٦ - كتابة مقدمةٍ للكتاب مشتملة على ترجمة مختصرة للمؤلف، وتَقْدمة موجزة عن الكتاب.
هذا وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.
حَرَّرَهُ
نُورُ الدِّين طَالِب
١٧ / صفر/ ١٤٣٢ هـ
٢٢/ ١ / ٢٠١١ م
1 / 7
ترجمة المؤلف (١)
* هو الإمام يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المقدشي الأصل، الدمشقي المولد، الحنبلي المذهب، المعروف بـ: "ابن عبد الهادي"، والملقب بـ: "ابن المِبْرَد".
* ولد سنة (٨٤١ هـ) في أول يوم منها، وقد نشأ في بيئة علمية معروفة، فتفقه على أبيه وجده، وسمع عليهما الحديث.
وكان ملازمًا للعلماء والصالحين؛ فحفظ "المقنع" لابن قدامة
_________
(١) انظر ترجمته في:
* "السحب الوابلة" لابن حميد (٣/ ١١٦٦).
* "النعت الأكمل" للغزي (ص: ٦٨).
* "شذرات الذهب" لابن العماد (٨/ ٤٣).
* "مختصر طبقات الحنابلة" للشطي (ص: ٧٤).
* "فهرس الفهارس" للكتاني (٢/ ١١٤١).
* "مقدمة ثمار المقاصد" للدكتور أسعد طلس.
* "الإمام يوسف بن عبد الهادي الحنبلي وأثره في الفقه الإسلامي" للدكتور محمد عثمان شبير.
* "الإمام يوسف بن عبد الهادي وآثاره الفقهية" للدكتور صفوت عبد الهادي.
1 / 9
على عدد من العلماء، وقرأ على مشايخ أكثر "صحيح البخاري"، و"مسند الحميدي"، و"الدارمي"، وغيرها.
* "فمن مشايخه الذين قرأ وحفظ عليهم: الشيخ علاء الدين المرداوي صاحب "الإنصاف"، وتقي الدين ابن قندس صاحب الحاشية المشهورة على "الفروع"، وزين الدين أبو الفرج ابن الحبال، وغيرهم.
* وقد تخرج على يديه جماعات من التلامذة؛ الذي صاروا فيما بعد أعلامًا كبارًا؛ كـ: ابن طولون، وعبد القادر النعيمي، وغيرهما.
* أثنى عليه جماعة من أهل العلم، ووصفوه بالإمامة والحفظ والإتقان:
قال فيه تلميذه ابن طولون: "هو الشيخ الإمام، علم الأعلام، المحدث الرحالة، العلامة الفهامة، العالم العامل، المتقن الفاضل".
وقال فيه ابن العماد: "كان إمامًا علامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو والتصريف والتفسير، وله مؤلفات كثيرة".
وقال الشطي: "أجمعت الأمة على تقدمه وإمامته، وأطبقت الأئمة على فضله وجلالته".
* ترك الإمام ابن عبد الهادي كتبًا كثيرة بلغت أسماؤها مجلدًا، كما قال ابن طولون، ومن أهم تلك الكتب:
١ - "جمع الجوامع في الفقه على مذهب الإمام أحمد" في ثلاثة وسبعين مجلدًا، غالبه مفقود.
1 / 10
٢ - "الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي".
٣ - "مغني ذوي الأفهام" في الفقه.
٤ - "هداية الإنسان إلى الإستغناء بالقرآن".
٥ - "إرشاد المسالك إلى مناقب مالك".
٦ - "الدر النفيس في أصحاب محمد بن إدريس".
٧ - "محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب".
٨ - "زيد العلوم وصاحب المنطوق والمفهوم".
٩ - "معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام".
١٠ - "زينة العرائس من الطرف والنفائس".
* توفي ﵀ بصالحية دمشق، سادس عشر المحرم، من سنة تسع وتسع مئة، وصلي عليه بجامع الحنابلة، ودفن بسفح جبل قاسيون ﵀، ورضي عنه.
1 / 11
صُوَر المَخْطُوْطَاتْ
1 / 13
صورة غلاف النسخة الخطية للمكتبة الظاهرية
1 / 15
صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية للمكتبة الظاهرية
1 / 16
صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية للمكتبة الظاهرية
1 / 17
«صب الخمول على من وصل أذاه إلى الصالحين من أولياء الله»
تأليف
الإمام يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الدمشقي الحنبلي
المولود سنة ٨٤١ هـ - والمتوفى سنة ٩٠٩ هـ
رحمه الله تعالى
بعناية
لجنة مختصة من المحققين
بإشراف
نور الدين طالب
1 / 19
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَهُوَ حَسْبِي
الحمدُ لله المنتصرِ لأوليائه، المنتقمِ ممَّنْ عاداهم بأنواعِ بلائهِ.
أحمدُه على جزيلِ عطائهِ، وأشكرُه على كثيرِ نَعمائِهِ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شهادة تجعلُنا من أحبابِه وأصفيائِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحابِه وأزواجِه وأبنائِه، وسَلَّمَ تسليمًا.
أمّا بعد:
فإنَّ الله ﷿ اختار صفوةً من خلقه، فأحبَّهم وأحبُّوه، ورضيَهم لنفسه فعبدُوه وأطاعوه، فإنْ سألوه أعطاهم، كان توجَّهوا إليه مَنَّاهم، وإن أشرفوا على رياضِ قدسِه حَيَّاهم، فهم هم، وليس غيرُهم إياهم.
1 / 21
* - مدحَهم في كتابه، وجعلَهم من خواصِّه وأحبابه، فإذا تأملْتَ غالبَ القرآن، وجنتَه في مدحِهم ووصفِهم، وذمِّ أعدائِهم وحزبِهم، فمَنْ والاهم والاه، ومن عاداهم عاداه، فإبليسُ حين أبغضهم قلبُه، أقصاه ربُّه، وذمَّه هو وحزبُه.
فتأمَّلْ إلى الفريقين، وما ذكره الله فيهما من مدح وذمٍّ، وموالاةٍ ومعاداةٍ، قال الله ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ يذلهم ويهينهم، ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾ وإن كثرت، ﴿وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ وإن قويت ﴿مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ لمَّا أطاعوه واتبعوه ﴿فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ﴾، فلم يكن لهم في الله نصيب، ولا له فيهم حبيب، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ في الدنيا والآخرة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ جعل الله لهم الذلة في الدنيا والآخرة، ﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾ في كتابه قبل خلقه ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ لجميع من عادانا ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ على كل أحد من خلقه ﴿عَزِيزٌ﴾ [المجادلة ١٤: ٢١] لا يصل إليه أحد منهم بأذى.
ثم انتقل إلى وصف أوليائه، فقال: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: يحبونهم ﴿وَلَوْ كَانُوا
1 / 22
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾؛ لأن قلوبهم مع الله واقفة، لا يحبون إلا من أحبَّ، ويُبغضون من أبغض، فليست قلوبُهم مع إرادتهم وشهوتهم، ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾، فلا يدخله غيرُ مراد الله، ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾، فلم يتمكن منهم عدو، ﴿وَيُدْخِلُهُمْ﴾ في الآخرة ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ في جواره ﴿خَالِدِينَ فِيهَا ﵃﴾ في الدارَيْن ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ فيهما، فهم مطبوعون على الرضا بقدر الله، ليس لهم شهوةٌ غيرُ ما قضى لهم وَقدَّرَ ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢].
فدونك الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ فإن هذه الآيات قد احتوت على الفريقين، فَزِنْ نفسَك بهذا الميزان، واعتبرها بهذا الاعتبار، فإن رأيتها من حزب الله وأوليائه، تؤمن بالله ورسوله صادقة، وتقرب مراده على مرادها، ولا توادُّ مَنْ حاربه وعصاه، ولو كان والدًا أو ولدًا أو أخًا، ولا تحبّ إلا لَهُ، ولا تبغض إلا له، فأنت من حزبه.
وعلامةُ حبه كثرةُ ذكره.
وإن وجدتها قد نسيت ذكرَ الله وأهملته، ووالت من لا يحب الله ورسولَه، وقدمت مالك وولدك وزوجتك وإخوتك وعشيرتك، ومرضاتهم على مرضاة ربك، فإياك إياك.
وقال ﷿: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٣]
1 / 23
* فتأمل القرآنَ جميعَه، تجن فيه الفرقَ بين حزبِ الله، وحزب الشيطان، وتجدِ العاقبةَ لحزب الله.
تأمل حالَ نوحِ وقومه، وحالَ إبراهيمَ وضعفِه، والنمرودِ وقوته، وكانت العاقبةُ له، وكيف ترك أباه وقومَه لرضا الله، حتى إنه عزم على ذبح ولده لله، وإنما ابتلاه الله بذلك حين سكن قلبُه لأدنى شيء من محبته، فأراد الله أن يخرج محبته من قلبه.
وانظر إلى موسى وفرعونَ، وانظر حال محمد ﷺ، وكيف أخرجه وحده، وكان [لو أراد] قهر به جميع ملوك الدنيا.
قال الله ﷿: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢].
* فليس عليهم خوفٌ، لا في الدنيا؛ لأن الله معهم، وناصرُهم، ولا هم يحزنون، لا في الدنيا على ما فاتهم، ولا في الآخرة؛ لأنه ليس ثَمَ فيها حزن.
أخبرنا الجماعة، وأنا ابن الزَّغبوبِ: أنا الحَجَّارُ: أنا ابن الزَّبيديِّ: أنا السِّجْزِيُّ: أنا الداوديُّ: أنا السَّرَخْسِيُّ، أنا الفِرَبْرِيُّ: أنا البخاريُّ: ثنا خالدُبن مخلدٍ: ثنا سليمانُ بن بلالٍ: حدثني شريكُ بن عبد الله بن أبي نمرٍ، عن عطاءِ بن يسارٍ، عن أبي هريرةَ، قالَ: قالَ رسول الله ﷺ: "إِنَّ الله ﷿ قالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًا فَقَن آذَنْتُهُ بِالحَربِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبْتُهُ، كُنْتُ
1 / 24
سَمْعَهُ الَّذِيِ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيِ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَفشِي بِهَا، فَإِنْ سَأَلنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّنتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (١).
ومن هذه الحيثية -حيثُ دخلَ من القوة الربانية الناشئة عن الله ﷿، المستمدة عظمة قدرة الله - قَدَّمَ سلطانُ أولياءِ الله أكثرَ من غيره؛ بكونه صار الرأسَ للكثير، وتحقَّقَ ذلك، قال -تعظيمًا للسر الإلهي-: قَدَمي هذه على رقبة كلِّ وَلِيٍّ لله (٢).
ولما أُلقي إبراهيمُ في النار، طفأها نورُ الإيمان، وما سكن جسدُه منه، ولهذا وردَ في بعض الآثار: أن النارَ قالت: يا ربِّ! لو عصيتكم، بم كنت تعذبني؟
_________
(١) رواه البخاري (٦١٣٧).
(٢) قال الحافظ ابن حجر في "الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع" (ص: ٩٩) في قول الإمام عبد القادر الجيلاني المنقول عنه ما معناه: "منزلة الشيخ -تغمده الله تعالى برحمته- في العلم والعمل والمعرفة في أعلى الدرجات، وأما المقالة التي نقلت عنه، فإن ثبت أنه قالها فليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأهل عصره، والمراد بالقدم: الطريقة، ولا شك أن طريقته بالنسبة لمن كان في عصره أمثل الطرق، ولأنه كان متحققًا بالعلم والعمل، متصفًا باتباع طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين في الإعتقاد، ومن نقل عنه خلاف ذلك لم يقبل منه.
ونقل ابن العماد في "شذرات الذهب" (٤/ ٢٠٠) عن الحافظ ابن رجب أنه قال: أحسن ما قيل في هذا الكلام ما ذكره السُّهْرَوردي في "عوارفه": أنه من شطحات الشيوخ التي لا يقتدى بهم فيها، ولا تقدح في مقاماتهم، ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم.
1 / 25