فأقول متفائلا: لن يضن بها بابا علي. - والدك موظف كما كان أبي!
فأبتسم في ثقة قائلا: بل أكثر من ذلك!
قصة حبنا معروفة في الشارع كله، يمتلئ بها والداي كما يداعبني بها علي يوسف، ولولا مأساة فكرية وزينب لتضاعف رضاهما، ولما كان ذلك التحفظ الذي قليلا ما يلوح على أبي وقليلا ما يخفى عند والدتي، ما الحيلة؟ ليس الحب وحده هو ما يستحوذ علي، ولكنني خلقت للحلال وحده. للحلال وحده يا للذكريات! الحلال والأبوة. اليوم حمادة الطرطوشي يلاعبني النرد مراهنا على ثمن القهوة، غلبته وربحت وسرعان ما تلاشى الحماس. ننظر الآن إلى ميدان الجيش تحت أضواء المصابيح القوية العالية، ما أكثر النساء والرجال والأطفال! تاريخ الحضارة ممثل في وسائل المواصلات من عربات اليد والكارو والبصات والترام. الأصوات من كافة الأنواع من حوار ومشادة وصراخ وغناء. يمضي حمادة قائلا: البلد!
ويشرح وجهة نظره الشاكية الساخطة على كل شيء، يثقل عليه هدوئي فيقول: لا يهمك شيء!
فأقول ساخرا: في ما يكفيني. - ولكنك شاهدت عصورا وأحداثا وحروبا ورجالا. - يعني! - لا يهمك إلا نفسك. - هي أسوأ حالا من البلد. - ولكنك مثقف. - طظ.
فضحك عاليا، وضحكته أقوى ما فيه، ويقول: ابدأ حياتك الجديدة. - ماذا تعني؟ - أتقنت الإنجليزية ودرست الإدارة والسكرتارية في المعهد الليلي، بوحي من الانفتاح طبعا، فما عليك إلا أن تبدأ من جديد. - يلزمني فاصل من الراحة. - أخاف أن تعتاد التقاعد. - لا تخف علي.
الإعلانات عن الوظائف الحرة كثيرة ومرتباتها فيما أسمع كبيرة، لكنها لن تكفي لتغيير حياتي.
هيهات أن تمكنني من دفع خلو للانتقال إلى مسكن جديد في حي جديد، لكن مائدتي المقفرة ستثرى بالطعام الساخن.
قلت: صبرك وسوف ترى ما يسرك.
فضحك قائلا: عليك أن ترفع رأس المتقاعدين عاليا.
صفحة غير معروفة