ذاك النعيم السعيد الثابت الوطد
ولكن الخاتمة، وا أسفاه، لم تكن في هذه الدنيا كما اشتهى الشاعر لأميره، أما الآخرة فلا أعلم عنها شيئا.
هذا هو شاعر الأمير الأول، وهو الذي قرب المعلم بطرس كرامة من مولاه، فصار شاعره الأكبر، ونجيه، ومستشاره.
كان نقولا طيب القلب، دمث الأخلاق، مرحا طروبا حسن البديهة، وهو أبرز معاصريه شخصية في شعره، وإن قاله ركيكا كما ترى. فنان طمح إلى التجديد والأدب الرفيع، فأدرك ما قدر عليه، ولهذا ترى الطرافة عنده في كل مقام ومقال، وإذا قصر في ميدان الفصاحة والبلاغة فهو معذور؛ لأنه ابن نفسه. (2) الشاعر والمدبر (2-1) بطرس كرامة
إمارتي من سيفي هذا.
هكذا أجاب الأمير بشير حين سأله شريف باشا: إمارتك من أين؟ لم يبال بطل «المزة» بما أحدثته كلمته في نفس محدثه ساعتئذ، إلا أنه - بلا شك - قد تذكرها في إحدى ليلات مالطة، كما تذكر نابليون في جزيرة القديسة هيلانة كلمات كهذه.
صدق الأمير، أعلى الممالك ما يبنى على الأسل، كما قال المتنبي منذ ألف وأكثر، الأسد يمنع عرينه الصغير، أما سطوته فتحمي الغاب كله، ولهذا تطاول الأمير بشير إلى جميع آلات الملك فاصطنعها كلها؛ فللبلاط بروتوكول، وللديوان مراسيم، يجري عليها في مخاطبة العظماء، ومناصب البلاد، وللدخول على المير، والجلوس بحضرته أصول تطبق وتراعى، أما السيطرة وما يتبعها من بطش فسعادته أمها وأبوها. كانت مهابته كما قال المتنبي في سيف الدولة:
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت
لك المهابة ما لا تصنع البهم
كان الأمير عادلا بلا رحمة، يدعم عرشه بهدم كل ما يراه خطرا عليه سيان عنده في ذلك ما بناه الله، وما بناه الإنسان. إذا رجع من «شر»، وقعد يستجم في بلاطه، بين ندمائه وشعرائه، فكأنه يضرب أخماسا لأسداس؛ لأن «الثغر» دائما خلف الباب. يجلس سعادته في قاعة العمود جاثيا، فتخاله القمة الماثلة. ينسيه ثناء شعرائه تعب أمسه ومشاكل السياسة وعقدها حينا، فيستأنس بالشعر والأدب. كان سعادته يضرب في الشعر بسهم ككل أمير عربي فيساجل شعراءه، ويأمر بالقول ارتجالا، تخميسا وتشطيرا، وقد رويت له هذه الأبيات التي قالها متغزلا في عاصمة دولته بيت الدين:
صفحة غير معروفة