رواد النهضة الحديثة

مارون عبود ت. 1381 هجري
155

رواد النهضة الحديثة

تصانيف

قد يعذر على ذلك لأنهم رموز لا أشخاص، ولكنه في كل حال مسئول عنهم لأنه خلقهم. أما العبارة فخيالية سهلة، ولكنه ينقصها شيء لتخرج ناتئة بارزة؛ إنها كتلك الرسوم التي لم تفز بحظها الكامل من الألوان والخطوط، فإنشاء المراش على ما فيه من خيال وصور قلما نحس فيه تلك الحركة، وذلك الزخم.

ليس للمراش شقشقة تعبير أديب إسحاق ولا هديره، ولا صحة تعبير الشدياق ولا ظرفه ولا تهكمه، ولكنه أقوى مخيلة منهما، وقد ذكرت هذين؛ لأنهما كانا سيدي الموقف في الحقبة التي وجد فيها المراش، فهو ولا شك من قراء الجوائب.

والمراش يختلف عنهما جميعا في تفكيره ومبادئه، فهو متأثر بالعلم والفلسفة أكثر من جميع كتاب عصره، نزاع إلى إصلاح المجتمع، يدعو إلى الأخذ بالحضارة الحديثة. أما ثقافته فمتأثرة بالدين، ولغته تكاد تكون لغة الكنيسة المستعربة حديثا ... ولا تنس أن المحيط الذي نشأ فيه كان محيطا تركي اللسان؛ فحلب التي سرت منها الفصحى إلى لبنان كانت اللغة التركية تجري على ألسن معظم سكانها.

وبعد، فلست أحدثك عن الأخطاء اللغوية في كتب المراش؛ هذه لأنها كثيرة جدا، ولا عن الإسهاب في التعبير؛ لأن عبارته غير مرصوصة ولا متلازة، وهو يزج في شعره ونثره الألفاظ العامية غير الفصيحة، ويتصرف كما يشاء في الاشتقاق والجموع، ولو خلا نظمه ونثره من مثل هذه العيوب لكان أكتب وأشعر أهل زمانه. (3) شاعرا الكلية

هما إلياس صالح وسليم عازار، وكلاهما ماتا في شرخ الشباب.

كان لهذين يد في التجديد والتوليد، ولم يقولا الشعر مقلدين. نال إلياس صالح شهادة بكلوريوس علوم سنة 1888، ومات عام 1895. قال زيدان فيه: «ومن غريب قريحته أنه جمع بين الشعر والإنشاء، ويندر أن يتفق ذلك لواحد؛ ولذلك استدعته جريدة المقطم، فتولى التحرير فيها حتى مات، ولو فسح في أجله لأتى بمعجزات البيان. كان متضلعا من قواعد اللغة قابضا على أوابدها وشواردها، وعارفا باشتقاقات الألفاظ ومواقعها.»

وينعته زيدان بحلاوة النكتة، ولعل هذه الحلاوة هي التي أمرت عيش أحد معاصريه حتى استولى على بيت الأنسي؛ ليحرفه ويقول فيه:

هو طالح لا صالح لكنهم

غلطوا ولم يضعوا العصا في رأسه

أما أشهر قصائده، ولعلها هي التي أطارت صيته، فهي قصيدته التي عنوانها «الحرية»، ولها حكاية كنا نسمعها في صبانا؛ ولهذا أحب الآن أن أمتع القارئ بها. كان ذكر الحرية يخيف السلطان عبد الحميد ورجاله، وكان خطيب حفلة الكلية - الجامعة الأميركية - تلميذها المتخرج إلياس هذا، وكانت الحفلة تحت رعاية والي بيروت، فقام إلياس ينشد:

صفحة غير معروفة