وأقام يوليانوس في عاصمة الدولة سبع سنوات احتك فيها بعالمين شهيرين أحدهما وثني والآخر نصراني، وتعلم مبادئ اللاتينية، ورحب الجمهور بالأمير الصغير وأكرمه، فدخلت الريبة نفس عمه وأمر بنقله إلى نيقوميذية، وكان ليبانيوس العالم الأنطاكي «اللبناني!» قد ترك مدرسة نيقوميذية، فلم يتسن ليوليانوس أن يأخذ شيئا عنه، ولكنه تابع الدرس في نيقوميذية وحلق رأسه كمن يريد أن يكون فيلسوفا مسيحيا، وفي السنة 351 رضي قسطنديوس عن الأميرين فجعل غالوس قيصرا وأعاد إلى يوليانوس إرثه فأصبح غنيا، ورحل يوليانوس في طلب العلم فأم برغامون في آسية الصغرى واتصل فيها بأديسيوس
Adesius
الفيلسوف الأفلاطوني الجديد، وبتلميذه خريسانطيوس
Chrisantius
الفيلسوف الفيثاغوري، وتردد إلى إفسس فاتصل بفيلسوفها مكسيميوس وكان هذا يمارس ضروب السحر، فوقع يوليانوس تحت تأثير شعوذاته، ودخل في زمرة أتباعه في كهف هيكاتية إلهة الشياطين عند الأفلاطونيين الجدد، وسمع شقيقه غالوس بهذا كله فاضطرب وأرسل إليه من أنطاكية معلم ذمته ليرده عن الضلال، وكان ما كان من أمر غالوس وإعدامه في السنة 354، ومثل يوليانوس بين أيدي الإمبراطور قسطنديوس في ميلانو؛ ليدافع عن نفسه فيما اتهم به من أنه اجتمع بغالوس في القسطنطينية، فشفعت له الإمبراطورة يوسيبية وأذن له بالإقامة في آثينة، فتوجه إليها بشغف شديد والتحق بجامعتها ثلاثة أشهر، وذلك في صيف السنة 355، وكان بين رفقائه فيها غريغوريوس النازيانزي وصديقه باسيليوس القديس، ومما قاله فيه غريغوريوس فيما بعد: إنه كان تائه النظر في آثينة أحمق السيماء تنتابه رعشات عصبية من آن إلى آخر، وإن أسئلته لم تكن منظمة أو مرتبة.
وكان قسطنديوس يخشى تطلع الغاليين إلى الاستقلال، ولم يكن بإمكانه أن يشرف بنفسه على أمورهم لكثرة أشغاله ولشدة خوفه من شابور ومطامعه، فاستدعى يوليانوس إليه وأطلعه على ما كان يخالج فؤاده ودفع به إلى شفيعته الإمبراطورة، فقالت هذه ليوليانوس: أنت مدين لنا بالشيء الكثير وسيكون لك أكثر فأكثر بعون الله إذا كنت أمينا منصفا، وكان يوليانوس قد التحى لحية الفلاسفة فأمر بها عمه فحلقت وارتدى يوليانوس لباس الأمراء، وفي السادس من تشرين الثاني من السنة 355 استعرض قسطنديوس الجند وأمسك بيده يوليانوس وقال للجند: «أنتم الحكم! لقد طغى البرابرة على غالية، وإني أرشح يوليانوس قيصرا، فهل تقبلون؟» فصرخ الجند: «هذه هي مشيئة الله!» وعندئذ وضع قسطنديوس التاج على رأس يوليانوس ووشحه بالأرجوان، وشفع الجند عمله بأن دقوا ركبهم بالتروس.
ثم تزوج يوليانوس من هيلانة ابنة قسطنديوس وقام إلى غالية، وبقي فيها ثلاث سنوات، أظهر في أثنائها من الحزم والعدل واللطف ما فتن الناس به وأذاع صيته في الغرب والشرق معا، وكان ما كان من أمر شابور ذي الأكتاف فقضت الظروف العسكرية بوجوب الاستعانة بأفضل من في الغرب من جنود، على أن جنود يوليانوس آثروا المناداة به إمبراطورا وسايرهم هو على الأمر. وفي صيف السنة 361 مشى إلى الشرق على رأس خمسة وعشرين ألفا، واحتل سرميوم ونيش، ثم علم بوفاة قسطنديوس وبما أوصى به فأسرع إلى القسطنطينية ودخلها في الحادي عشر من كانون الأول سنة 361.
سياسة يوليانوس الداخلية
وما كاد يوليانوس يجلس على أريكة القسطنطينية حتى أمر بتشكيل مجلس خاص لتطهير الإدارة من أدران الحكم السابق. وتألف هذا المجلس من أخصاء الإمبراطور العسكريين، فحكموا بالإعدام على طائفة من رؤساء الدوائر المدنية وبالنفي على غيرهم، وتناول مثل هذا التطهير القصر الإمبراطوري، فطرد الإمبراطور الجديد عددا كبيرا من الخدم والحشم ولا سيما الخصيان، وأراد أن يظهر بمظهر جمهوري فعظم القناصل وجالس الشيوخ كأنه واحد منهم. وعلى الرغم من قلة النقد في الخزينة فإنه أمر بتخفيف ضريبة التاج التي كانت تجبى في مناسبة تبوء العرش.
موقفه من النصرانية والوثنية
صفحة غير معروفة