ومؤرخو الفن يعتبرون عصر يوستنيانوس العصر الذهبي الأول في تاريخ الفن عند الروم ، ويعدون كنيسة الحكمة الإلهية آية من آيات فن البناء في العالم بأسره، وأفضل الكتب التي صنفت في هذا الموضوع هي تقارير الأستاذ هويتمور عن أعماله الترميمية التي بدأت في السنة 1933، يضاف إليها كتاب الأستاذ سويفت: آجيا صوفيا.
17
وأعجب ما في هذه الكنيسة قبتها العظيمة؛ فإنها تشمخ ضمن محيط قدره واحد وثلاثون مترا على علو خمسين مترا فوق سطح الأرض، وهو عمل لا يزال يعتبر حتى ساعتنا هذه من معجزات فن البناء، وشكل الكنيسة مربع مستطيل عظيم يقسمه صفان من الأعمدة إلى ثلاثة أبهاء، والأرض والأعمدة والأقسام السفلى من الجدران جميعها من رخام ملون، وما تبقى من الجدران والسقف جميعه مغشى بالفسيفساء المذهبة، ويطل النور على المصلين من أربعين نافذة عند أسفل القبة الكبرى فتعكسه الفسيفساء المذهبة الملونة أشعة متنوعة رائعة، أما الفناء أمام هذا المعبد فإنه كان فيما مضى واسعا كبيرا تتناسب مساحته وحجم الكنيسة وراءه، وكانت تحيط به من جهاته الأربع أروقة ذات أعمدة متقنة الصنع، وتقوم في وسطه نافورة مزخرفة جذابة.
وهدم يوستنيانوس كنيسة الرسل التي كان قد شيدها إما قسطنطين الكبير أو قسطنديوس، وأعاد يوستناينوس بنيانها بشكل صليب مربع الأجنحة، وعهد العمل إلى أنثيميوس الترالي وإسيدور الأصغر. وبقيت هذه الكنيسة البديعة مدفنا لأباطرة الروم حتى القرن الحادي عشر، ولما استولى الأتراك على القسطنطينية أمروا بهدمها لينشئوا في موضعها جامع السلطان محمد الفاتح، وباستطاعتنا أن نستعيد صورة شكلها، قياسا إلى كنيسة القديس مرقس في البندقية، أو كنيسة القديس يوحنا في إفسس، أو كنيسة سان فرون في بريغو
18
في فرنسة، فإن هذه الكنائس جميعا قد شيدت على طراز كنيسة الرسل في القسطنطينية.
19
وربما تعذر علينا اليوم أن نتلذذ تلذذا تاما بوجوه الإتقان والبداعة في الفسيفساء على جدار كنيسة الحكمة الإلهية؛ لأن الأتراك قد حولوها عند الفتح إلى جامع، وطمسوا هذه الآثار بطلاء من الطين وغيره، ولأن أعمال التنظيف والترميم التي أمر أتاتورك بإجرائها في هذه الكنيسة لم تتم بعد. ولكن بإمكاننا أن نلمس لطائف هذا الفن وروعته على جدران كنيسة القديس الشهيد فيتال في رابينة، ورابينة هذه كانت في القرن الخامس بعد الميلاد ملجأ لأباطرة الغرب، ثم أصبحت في أوائل القرن السادس عاصمة القوط الشرقيين، ولما تغلب يوستنيانوس على هؤلاء وفرض سلطته على إيطالية؛ أصبحت رابينة مركز حكم الروم في إيطالية ومقر الإكسرخوس فيها، وذلك طوال قرنين منذ منتصف السادس حتى منتصف الثامن.
وآثار رابينة الفنية تعود إلى عهد غالية بلاسيدية بنت ثيودوسيوس الكبير، وإلى عهد ثيودوريخوس ويوستنيانوس، وشمل يوستنيانوس رابينة بعنايته، فأكمل بناء كنيستين فيها ورصعهما بالفسيفساء، ولا تزال هذه الفسيفساء محفوظة بكاملها في كنيسة القديس فيتال حتى يومنا هذا، وأشهر ما فيها صورة الإمبراطور على جدار الحنية وراء المذبح، يحيط بها أسقف رابينة ورجال الحاشية، وصورة ثيودورة ووصيفاتها.
20
صفحة غير معروفة