ثم نتج عن هذا التضامن في حقل الرياضة تضامن في السياسة والاجتماع، وانضم البيض إلى الخضر والحمر إلى الزرق، فأصبح في العاصمة حزبان سياسيان اجتماعيان، حزب الخضر وحزب الزرق، وأيد الزرق الأرثوذكسية فأيد الخضر القول بالطبيعة الواحدة، وكان قد سبق في عهد أنسطاسيوس أن حل بالزرق اضطهاد شديد؛ لأن هذا الإمبراطور كان يميل إلى القول بالطبيعة الواحدة، فهرع الزرق إلى الهيبودروم ونادوا بسقوط أنسطاسيوس، وكاد أن يتم ذلك لولا اتزان الإمبراطور واستعطافه الرأي العام، فلما رقي يوستينوس ويوستنيانوس العرش دب إلى عروق الزرق النشاط ولكن ثيودورة عطفت على الخضر، فانقسم البلاط نفسه إلى أزرق وأخضر،
12
ويجوز القول أيضا إن الزرق كانوا في الغالب من طبقات الشعب العليا، وأن الخضر جاءوا من الطبقات السفلى بحيث أصبح الصراع بينهما في بعض الأحيان صراعا طبقيا.
13
وقد تعددت أسباب ثورة النصر التي نشبت في السنة 532، فبعضها كان دينيا عقائديا نشأ عن اضطهاد من قال بالطبيعة الواحدة، وبعضها كان مرده إلى تنافس الأسر على العرش وحرمان أقارب أنسطاسيوس من الملك، وبعض هذه الأسباب كان عموميا، وهو الأقوى.
وتفصيل الأمر: أن يوستنيانوس اعتمد في أول عهده على تريبونيانوس في القضاء ، وعلى يوحنا القبدوقي في الإدارة، وطغى الاثنان وتجاوزا الحد في ابتزاز المال وفي القسوة، فهب الزرق والخضر معا وهرعوا جميعا إلى الهيبودروم، ثم انطلقوا منه يخربون ويحرقون، وسادت كلمة النصر على أفواههم «نيكا» فسميت بها حركتهم هذه، وفاوضهم يوستنيانوس فلم يرضوا ونادوا بأحد أنسباء أنسطاسيوس إمبراطورا، فخشي يوستنيانوس العاقبة وجمع أخصاءه وشاورهم في الفرار من العاصمة، وكادوا يجمعون على ذلك ولكن ثيودورة انتصبت بينهم وقالت كلمتها التاريخية: «يستحيل على امرئ يجيء هذا العالم ألا يموت، ولكن من يمارس السلطة لا يطيق النفي، وإن تشأ أيها الإمبراطور أن تنقذ نفسك فلن تجد صعوبة والبحر قريب، والمراكب مجهزة، والمال موفور، ولكن تريث قليلا، وسل نفسك: ألن تندم بعد فرارك ووصولك إلى ملجأ أمين فتود لو كنت آثرت الموت على الأمان؟ أما أنا فأرى أن الأرجوان لا بأس به كفنا.»
14
فانتعش يوستنيانوس، وأمر بليساريوس أن يخضع الثائرين بالقوة بعد أن مضت على ثورتهم ستة أيام، فأحاط بهم بليساريوس بجنوده ولزهم حتى أكرههم على اللجوء إلى الهيبودروم، ثم فتك بهم فتكا، فقتل ثلاثين أو أربعين ألفا بينهم أنسباء أنسطاسيوس وثبت هيبة السلطة.
15
وكان قد ظهر في آسية الصغرى ومصر وغيرهما من أجزاء الإمبراطورية عدد من أصحاب العقارات الكبيرة الذين استغلوا الظروف السياسية والإدارية، ففرضوا ملكيتهم فرضا، واغتصبوا أملاك الدولة، وعبثوا بالسلطة المركزية فأحاطوا أنفسهم بالحراس، وجروا وراءهم الجماهير، وسدوا أفواه الولاة بالذهب،
صفحة غير معروفة