* وعذاب القبر ونعيمه حق لا شك فيه، وقد ظهر في هذا الحديث ما يدل على ذلك، فقد قال عمر ﵁ للنبي ﷺ حينما خاطب صناديد قريش بعد إلقائهم في قليب بدر: يا رسول الله ما تكُلِّم من أجساد لا أرواح لها»؟ فقال ﷺ: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». قال قتادة: «أحياهم الله حتى أسمعهم قوله: توبيخًا، وتصغيرًا ونقمة، وحسرة، وندمًا»، وهذا يؤكد أهمية بيان عذاب القبر؛ ولهذا خاطب النبي ﷺ صناديد قريش يُوبِّخُهم؛ لإعراضهم وعنادهم التام في الدنيا عن دين الإسلام، بل وقفوا في طريقه وقاتلوا أهله؛ ولأهمية التحذير من عذاب القبر ذكر الله ﷿ عذاب آل فرعون في البرزخ فقال ﷿: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (١).
وقال ﷿ في عذاب الكفار في الدنيا والبرزخ: ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٢).
وقد ذكر البراء بن عازب، وابن عباس، وعلي ﵃ أنّ قوله ﷿: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ هو عذاب القبر، وقيل: هو الجوع في الدنيا والمصائب التي تصيبهم في الدنيا، ورجح الإمام الطبري –﵀ أن ذلك يشمل الأمرين، وأن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذابًا دون يومهم الذي فيه يصعقون، وذلك
_________
(١) سورة غافر، الآيتان: ٤٥، ٤٦.
(٢) سورة الطور، الآيات: ٤٥ - ٤٧.
1 / 54