أتى جان فارز بيت والدته في عطلة عيد الفصح، حيث قضى 8 أيام بين حنان أمه ودلال شقيقته، غير أن ألبير لم يأت في ذلك الأسبوع. وفي غد رجوع جان إلى المدرسة سألت أودت أمها: هل عندك من خبر عن ألبير؟ - لا يا عزيزتي. أجابت ذلك باضطراب، فلاحظت أودت خطرا بها؛ لذلك دنت منها قائلة: وهل كتبت له؟ - لم أكتب ولا افتكرت فيه؛ لأني انشغلت عنه بأخيك جان. - أولم ترسلي أحدا يسأل عنه؟ - لم أفكر فيه إلا الآن، ولا علم لي بغيابه عنا كل هذه المدة. - يناسب أن تكتبي له يا والدتي إن كنت ترومين. - قصدي أن أكتب له وأرسل الرقيم مع الخادمة لتأتينا بالجواب المعجل. - اكتبي حالا بدون إبطاء. فجلست مدام فارز أمام مكتبها، وبعد أن كتبت الرسالة أرسلتها مع الخادمة إليه، ثم تابعت أودت حديثها وقالت: إن ألبير تعس يا أماه. - نعم إنه تعس جدا. - وأرى من الواجب علينا أن لا نهمله. - ومن منا يهمله؟ - إني أخشى عليه من صداقتك لمدام روجر؛ فإنها امرأة عديمة الشفقة!
فابتسمت مدام فارز وضغطت ابنتها على صدرها، بغضون ذلك عادت الخادمة حاملة جوابا من الخواجة ألبير، ففضته وقرأت فيه ما يأتي:
سيدتي وصديقتي العزيزة
كنت مريضا كل هذه المدة، أما الآن فإني اتجهت إلى الصحة، وإني آمل أن يساعدني الحظ بزيارة حضرتك بأول فرصة تسنح، حيث أتعزى باللطف عن الوحدة. وتفضلي أخيرا بقبول تحياتي الودادية.
ثم دفعت الكتاب لأودت فقرأته وقالت لأمها: حسنا فعلت يا أماه بالكتابة لهذا الصديق المسكين.
في غضون ذلك وصلت إلى عند مدام فارز الآنستان ماسكا وأختها، وبعد التحية قالت ماسكا: قد كلفنا في هذا اليوم حضور حفلة موسيقية في الساعة الرابعة بعد الظهر ، فأتينا إلى حضرتك خصوصا لتأذني لأودت بالذهاب معنا فإنها تسر كثيرا. فشكرتها مدام فارز وأثنت على إحساساتهما النبيلة؛ لأنهما تفتكران دائما في بنتها، فأجابتا إننا نحبها كثيرا.
ثم خرجت أودت مع الآنستين بعد أن أذنت لها والدتها وعينت لها وقت الرجوع، وصحبتهن إلى الباب الخارجي، ثم عادت تمشي الهوينا، حتى إذا وصلت إلى حجرتها ألقت بنفسها على مقعد هناك وقد انحطت قواها، بعد ذلك فكرت كيف أن ابنتها أسرعت بالذهاب غير مبالية بترك والدتها وحدها دون أن تعتذر من جهة خروجها، رأت نفسها منفردة وحيدة، ووحدة هذه الساعة جعلتها تفتكر في وحدتها في المستقبل، قالت: إن ابنتي أودت ستتزوج يوما ما، وكذلك أخوها جان، فأصبح - والحالة هذه - وحيدة، وكل من ولدي يكون ذا بيت هو موضوع أفكاره واهتمامه، وأنا المسكينة من يعتني بي يا ترى؟! نعم، إن الذي يحبني حبا عظيما ... لكن هذا المستقبل. وبعد أن خطر في فكرها ألبير تنهدت: آه لو كان لا يكفيني في أن يحبني هذا الشخص! لله ما أنشف حياتي وأعمقها! لعمري إني لم أذق في كل أيامي الماضية طعم الحب اللذيذ، ولم تمس شفتاي كأسه المسكرة. نعم، لقد مضى شبابي دون أن أفكر في الحب، أما الآن فلم يعد هذا بالإمكان، فأنا أشعر - والحالة هذه - باحتياج إليه، نعم أحتاج إلى حبه وميله!
ظلت وقتا طويلا بدون حراك وعيناها محدقة بالأرض، متأملة بألبير المريض، وكيف أنه وحده لا أحد يهتم به، فهو يحيي ليله ساهرا يتقلب على فراش الحمى والآلام، ثم استولت الشفقة على قلبها ودبت فيه حرارة جديدة، وزفرت زفرة سداها الحزن ولحمتها عظم الاكتئاب، ثم نهضت تمشي في الحجرة وهي عازمة على الاعتناء بألبير والاهتمام به.
الفصل السادس والعشرون
أشارت مدام فارز إلى والدها بأن يذهب لعيادة ألبير المريض، وعند رجوعه بادرت أودت لسؤاله قائلة: كيف حاله؟ - حاله سيئة على ما أظن. - وماذا تعني بهذا القول؟
صفحة غير معروفة