ثم قال لها برزانة: هل لك بي من ثقة؟ فلم تقدر أن تجيبه، ولكنها أشارت برأسها: نعم. - إن صورة إيڤون عندي، فيمكنك أن تأتي وتنظريها متى سنحت لك الفرصة.
فأطرقت طويلا وأحاطت بها الهواجس والأفكار المزعجة إحاطة السوار بالمعصم، ثم تأملت في أنه كيف يحسن أن تدخل ثانية تحت سقف بيت ألبير ولو دقائق يسيرة؟
وعندما تيقنت ذلك وتصورت ابنتها في ذلك البيت، اقشعر بدنها وشعرت بأن الأرض ترتج تحت قدميها، وظهر لها أن الأشجار تجري، وجميع النباتات تدور، وكأنما الكون قد انقلب ومناظر الطبيعة تغيرت أمام ناظريها، وبينما هي كذلك قالت على غير انتباه: نعم، سأذهب وأرى إيڤون!
غير أنها بعد أن لفظت ذلك، كنت تراها غارقة في بحر من الأفكار والهواجس المؤلمة، وكانت كأمواج البحر يلاطم بعضها بعضا، وعيناها تمثلان أمامها صورة ذلك الوجه المحبوب الذي كان لها في الماضي، وهو ليس لها الآن. ثم إنها ذكرت أنها أقسمت وابنها على ذراعيها على أن لا تعود إلى التفكير في ألبير، ومع ذلك حنثت بيمينها.
فيا ترى ألم تكن تحب مكسيم؟ نعم، كانت تحبه حبا شديدا، وقد كان يسهل عليها تضحية حياتها من أجله، ولكن من جهة أخرى كانت تظن أن ألبير هو أكثر ضرورة لحياة قلبها من مكسيم ولدها. والحالة هذه إن كانت لا تخاف الموت حبا بمكسيم، فإنها من جهة ثانية لا تطيق الحياة وهي بعيدة عن ألبير.
فمن يا ترى في هذه الحياة الدنيا يشفق على هذه النفس المسكينة ويساعدها كي تنتصر على حبها، وتتخلص من هواجسها المضنية التي تحاربها ليلا ونهارا!! من هو الذي ينجيها من شعورها، ويبعد عنها آلامها التي تعذبها كثيرا! من ذا يضمد كلوم قلبها بتلك المراهم الشافية!
فتبا لك أيتها الدنيا الخادعة، وتعسا لك أيها الدهر الخئون بأهله!
بكت مرغريت بكاء مرا، وتنفست الصعداء مرارا، وألبير يطيب نفسها.
ولعمري إنه الأولى بالتعزية والأجدر بالشفقة والمرحمة؛ لأنه كان بحالة يرثى لها لا تنفع فيها تعزية، فحري به أن يبكي وينوح على حياته التي كانت مفعمة من الصفاء والهناء، فأضحت مقرونة بتراكم الحزن والعناء!
الفصل الثامن
صفحة غير معروفة