الفصل السابع
روح زعماء الثورة الفرنسية
(1) نفسية رجال الثورة الفرنسية، شأن الأخلاق القوية والأخلاق الضعيفة
بما أن الإنسان يميز بذكائه ويسير بخلقه وجب - لإدراك أمره - أن يفرق بين الذكاء والخلق، وللخلق المقام الأول في الأدوار العظيمة، والحركات الثورية معدودة من تلك الأدوار بحكم الطبيعة.
وقد وصفنا، في كثير من الفصول السابقة، ما يسود الفتن من مختلف النفسيات، فلا نعود إليه الآن، وهذه النفسيات تغير شخصية الإنسان الموروثة والمكتسبة.
وقد رأينا ما لخلق التدين من شأن في النفسية اليعقوبية، وما أدخله هذا الخلق إلى قلوب أتباع الإيمان الجديد من تعصب شديد، ورأينا أيضا أن أعضاء المجالس ليسوا كلهم متعصبين، وأن المتعصبين كانوا أقلية فيها، وأن أكثرية الأعضاء في مجالس الثورة الفرنسية كانوا مطبوعين على الحياء والاعتدال والحياد، وأن الخوف هو الذي كان يدفعهم إلى السير مع القساة المتطرفين.
وأصحاب الأخلاق الهينة المحايدة، الذين يتبعون في كل دور أكثر المحرضات تناقضا، هم الأكثر عددا في كل زمن، ولا فرق بينهم وبين القساة من حيث الخطر، فقوة هؤلاء تعتمد على ضعف أولئك.
وقد شوهد في الثورات كلها - ولا سيما في الثورة الفرنسية - أقلية حازمة مع ضيق عقل متغلبة على أكثرية كبيرة متصفة بسمو المدارك وفقدان الخلق، وبجانب الدعاة المتعصبين وضعيفي الأخلاق يظهر أيام الثورات أناس لا يهمهم سوى الاستفادة منها، وما أكثر من ظهر أيام الثورة الفرنسية من رجال هذا الفريق الذين لا غاية لهم سوى الانتفاع من الأحوال ليغتنوا، ونعد منهم باراس وتاليان وفوشه وبارير الذين انحصرت سياستهم في خدمة القوي ضد الضعيف.
والواقع أن عدد هؤلاء الطامعين في أوائل الثورة الفرنسية كان عظيما، وهذا ما جعل كاميل ديمولان يقول سنة 1792: «إن مصدر الثورة الفرنسية هو ما كان عند كل واحد من خلق الأثرة وخلق العجب».
ويتألف من الملاحظات السابقة، ومما ذكرناه في فصل آخر عن الأطوار النفسية أيام الانقلابات السياسية، فكر عام في خلق رجال الثورة الفرنسية، وها نحن أولاء نذكر شيئا عن أشهر زعماء تلك الثورة. (2) نفسية النواب أيام بعثتهم
صفحة غير معروفة