الفصل السادس
جيوش الثورة الفرنسية
(1) مجالس الثورة والجيوش
لو اقتصر ما نعلمه عن مجالس الثورة، ولا سيما مجلس العهد، على ما يقع فيها من الانشقاق وعلى ضعفها وعلى ما تأتي به من الاضطهاد لكانت ذكراها سيئة، غير أن لذلك الدور نفوذا مؤثرا ناشئا عن انتصار الجيوش التي فتحت بلاد بلجيكة والبلاد الواقعة على ضفة الرين اليسرى حينما ترك مجلس العهد مقاليد الحكم.
إذا نظرنا إلى حكم العهد في مجموعه أصبح من العدل أن يعزى إليه ما نالته جيوش فرنسة من النصر، وأما إذا فرقنا بين أقسامه ظهر لنا أنه لم يكن لمجلس العهد سوى نصيب صغير في الوقائع الحربية، وأن الجيوش المرابطة في الثغور والمجالس الثورية كانتا قسمين مستقلين أثر أحدهما في الآخر تأثيرا قليلا ونظر كل منهما إلى الأمور نظرا متباينا.
وقد اتضح لنا أن مجلس العهد كان ضعيفا، وأنه كان يبدل رأيه على حسب تحريضات الشعب فكيف استطاع أن يسيطر على الجيوش وقد كان منقادا لا قائدا!
أوجب انهماك مجلس العهد في المنازعات ترك أمور الحرب إلى لجنة كان يسيرها كارنو وحده، وأهم ما قامت به هذه اللجنة هو أنها أمدت الجيوش بالميرة والعتاد، وقد نشأ فضل كارنو عن قيادته 752000 جندي كانوا مرابطين في المراكز الحربية وعن إيعازه إلى القواد بالهجوم وعن توطيد دعائم النظام في الجيوش.
ولم يفعل مجلس العهد في الدفاع عن البلاد غير أمره بالنفير العام، ولا تستطيع حكومة أن تفعل غير ذلك تجاه أعداء فرنسة الكثيرين، وأما مداخلة هذا المجلس في أمر الجيوش فكانت يسيرة إلى الغاية، وقد خرجت هذه الجيوش وحدها ظافرة بفضل عددها وحماستها وخطط رسمها لها قواد شباب مستقلون عن مجلس العهد. (2) مكافحة أوربة للثورة الفرنسية
نرى، قبل بيان العوامل النفسية التي ساعدت على نجاح جيوش الثورة، أن الإلماع إلى روح المقاتلة التي تأصلت في أوربة واستفحلت ضد الثورة الفرنسية لا يخلو من فائدة.
نظر ملوك الأجانب في أوائل الثورة الفرنسية إلى المصاعب التي كانت تلقاها الملكية الفرنسية المزاحمة لهم بعين الرضى؛ لأنه لما ظن ملك بروسية أن فرنسة ضعفت فكر في توسيع ملكه على حسابها، فاقترح على إمبراطور النمسة أن يساعدا لويس السادس عشر رجاء الحصول على ولاية فلاندر وألزاس، فعقدا في فبراير سنة 1792 معاهدة ضد فرنسة، إلا أن الفرنسيين سبقوا في الهجوم فشهروا الحرب بتأثير الحزب الجيروندي.
صفحة غير معروفة