ولا يخفى أن هنالك جمعا كبيرا من المتهمين قتلوا من غير محاكمة في شهر سپتمبر، أي قبل إنشاء محكمة باريس الثورية التي قصلت رؤوس 3625 نفسا، وكانت محكمة باريس الثورية تقتصر - كما أشار فوكيه تنڤيل في أثناء محاكمته - على تنفيذ الأوامر التي كانت تتلقاها من لجنة السلامة العامة، وهي - وإن سارت في البداءة وفق القانون ظاهرا - لم تلبث أن أهملت ذلك، فألغت الدفاع وسماع الشهود ومناقشتهم، وصارت تحكم على الناس بالشبهات، ثم اقترح فوكيه تنڤيل أن تنصب المقصلة في دائرة المحكمة لكي تنفذ الأحكام فورا.
وكانت تلك المحكمة ترسل المتهمين - الذين وقفوا لما بين الأحزاب من حقد - إلى المقصلة على السواء، ولسرعان ما صارت هذه المحكمة آلة ظلم في قبضة روبسپير السفاك، وعندما حكمت على أحد مؤسسيها، دانتون، بالقتل سأل الله والناس العفو قبل أن يصعد في المقصلة لمعاونته على إنشائها، وهي لم تصفح عن أحد سواء أكان الداهية لاڤوازيه أم الحكيم لوسيل ديمولان أم النبيل الفاضل مالزيرب. قال بنيامين كنستان مشيرا إليها:
تم قتل كثير من أصحاب القرائح السامية على يد أدنى الناس وأشدهم غباوة.
ويجب لتسويغ ما اقترفته المحاكم الثورية من المظالم، أن نذكر النفسية الدينية التي كانت عند اليعاقبة الذين أسسوها وأداروها، فقد ظن روبسپير وسان جوست وكوتون وغيرهم ممن قاموا بها أنهم يحسنون إلى الجنس البشري بقضائهم عن طريقها على الخوارج وعلى أعداء معتقدهم الذي كانوا يزعمون أنه يجدد العالم.
ولم يكن الذين قتلوا أيام الهول الأكبر من الأشراف والإكليروس فقط، بل قصلت رؤوس أربعة آلاف من الفلاحين وثلاثة آلاف من العمال، وإذا اعتبرنا ما ينشأ عن إعدام رجل واحد من الأثر في النفوس اعتقدنا أن قتل كثير من الناس يؤثر فيها تأثيرا عظيما، غير أن العادة أرهقت الحواس فلم ينتبه الناس كثيرا إلى ما كان يقع، وكانت الأمهات يقدن أولادهن ليشاهدوا قصل الرؤوس كما يقدنهم اليوم إلى دور الألعاب، وقد أوجبت مناظر القتل الكثيرة عدم اكتراث الناس للموت، فصعدوا كلهم في المقصلة رابطي الجأش، وعلا الجيرونديون درجاتها وهم ينشدون نشيد المرسلياز.
نشأ هذا التسليم عن ناموس العادة المسكن لانفعالات النفس، ودليلنا على أن منظر المقصلة لم يرهب أحدا ما وقع من الفتن الملكية الكثيرة، فكانت هذه الفتن تحدث كأن الهول لم يخف إنسانا، ولا يصير الهول طريقة نفسية مؤثرة إلا إذا قصر دوامه، فالهول الحقيقي يكون بالوعيد والإنذار أكثر مما بالتنفيذ. (3) الهول في الولايات
لم يكن قطع الرقاب الذي نشأ عن أحكام محاكم الثورة كل ما حدث أيام الهول الأكبر، فقد كان يجول في فرنسة جيوش ثورية مؤلفة من قطاع الطرق واللصوص ناهبة قاتلة، قال تاين:
عندما قطع أناس مجهولون في بيدوان - التي كان يسكنها ألفا نفس - شجرة الحرية هدم فيها 433 بيتا وقطعت رؤوس 16 شخصا من سكانها بالمقصلة وقتل منهم 46 شخصا رميا بالرصاص، وطرد من بقي منهم فاضطروا ليعيشوا إلى قطع السبل في الجبال وإلى نحت الكهوف لتكون لهم بيوتا.
ولم يكن نصيب من أرسلوا إلى محاكم الثورة خيرا من ذلك، فلما أصبحت محاكم الثورة طليقة من قيود القوانين أغرق كاريه، وقتل رميا بالرصاص - في نانت وحدها - ما يقرب من خمسة آلاف شخص من الذكور والإناث والولدان.
وقد وردت تفاصيل هذه المذابح في جريدة المونيتور، فقد قال توما في شهادته التي نشرت في عدد هذه الجريدة الصادر في 22 من ديسمبر سنة 1794:
صفحة غير معروفة