الفصل الثالث
الأشكال الحديثة للمعتقدات الديموقراطية
(1) النزاع بين رأس المال والعمل
بينما يخبط المشترعون في أمر الإصلاح والاشتراع يتدرج العالم ببطء في مجراه الطبيعي فتحدث منافع جديدة، ويعظم ما بين الأمم من المزاحمات الاقتصادية، ويقوم العمال بضروب الفتن، وتظهر مشاكل مخيفة لا تحلها خطب رجال السياسة.
وأعقد المشاكل الجديدة ما يقع بين العمل ورأس المال من نزال، ولا يخلو بلد من ذلك حتى البلاد ذات التقاليد كإنكلترة، فقد عدل العمال عن احترام العقود، وأخذوا يضربون لأسباب تافهة، وبلغت البطالة والعوز مبلغا يقلق البال، وسرت عدوى الإضراب إلى أمريكة فعاقت صناعاتها، ولكن استفحال الداء فيها أدى إلى إيجاد الدواء، فنظم رؤساء الصناعات بينهم مواثقات كبيرة أصبحت من القوة بحيث تقدر على إلزام العمال طرقها التحكيمية.
ومما يزيد مشكلة العمال صعوبة في فرنسة اضطرارها - من أجل تناقص مواليدها - إلى قبول عدد كبير من عمال الأجانب، وينشأ عن ذلك التناقص أيضا صعوبة محاربة الأمم المزاحمة التي سوف تلجئها قلة حقولها إلى الاستيلاء على البلدان القليلة السكان سائرة على أقدم ناموس عرفه التاريخ.
وسيشتد النزاع بين العمال والمستصنعين أكثر من قبل عندما يتفاقم النزاع الاقتصادي بين الآسيويين ذوي الحاجات الضعيفة والقادرين على الإنتاج بأبخس الأثمان وبين الأوربيين ذوي الحاجات العظيمة، وقد أشرت إلى أهمية هذا الأمر منذ خمس وعشرين سنة، وجاء في كتاب للملحق الحربي في الجيش الياباني، الجنرال هاملتون، الذي أخبر بانتصار اليابان قبل وقوع الحرب الروسية اليابانية، ما يأتي:
إن الصيني - كما بدا لي في منشورية - قادر على إبادة العامل الأبيض في الوقت الحاضر، ولا يفكر الاشتراكيون الذين يبشرون بالمساواة فيما تؤدي إليه نظرياتهم، فهل الجنس الأبيض صائر إلى الانقراض؟ إني على ما في من عجز وقلة بضاعة أرى أن مصيره يتوقف على عدم إصغائنا إلى الخطب القائلة إن التأهب للحرب أمر مضر لا فائدة فيه.
وإني أنصح العمال أن ينظروا بعين البصيرة إلى شؤون العالم في هذا الوقت فيبذروا في قلوب أولادهم حب الحرب، ويرضوا بما ينشأ عن الروح العسكرية من المحن، وأن لا ينوا في محاربة العمال الجدد المزاحمين، ولا يمنع الآسيويين عن الهجرة وخفض الأجور وعن الإقامة بين ظهرانينا غير الحسام، فإذا لم ينتبه الأمريكيون والأوربيون إلى أن بقاء منزلتهم الممتازة متوقف على ما عندهم من قوة السلاح لم تلبث آسية أن تنتقم منهم.
ومن الأمور المعلومة أن هجرة الصينيين واليابانيين إلى أمريكة أصبحت كارثة وطنية بما أوجبته من المزاحمة للعمال البيض، وقد أخذ أولئك يهاجرون إلى أوربة أيضا، ولكن هذه الهجرة لم تتسع بعد، على أن لمهاجري الصين مستعمرات مهمة في بعض المدن الأوربية كلندن وكارديف وليڤربول إلخ، وقد أحدث وجودهم فيها واشتغالهم بأثمان بخسة قلاقل كثيرة. (2) نشوء طبقات العمال والحركة النقابية
صفحة غير معروفة