فهو لا يصل بالحس إلى شيء أرفع من المادة أو المحسوسات المادية.
وقد يرتقي بالتفكير إلى شيء أرفع مما يدركه الحس، ولكنه لا يتجاوز به حدود المحسوسات.
وهناك مرتبة من التفكير أعلى من مرتبة «التعقل المنطقي» وهي مرتبة «التأمل» والانقطاع بالوجدان عن كل ما يحيط بالإنسان.
ففي هذه المرتبة يستطيع الإنسان أن يسيطر على جسده ويسيطر على الطبيعة، ويرتقي إلى الحالة التي يقهر بها المادة ويصنع الخوارق، ويخالف العادات، وهي تسمى عندهم حالة «السديهي
Siddhis » أو الصديقية إذا كان للفظ صلة باللغات السامية. ولكن هذه الحالة لا تزال دون حالة الخلاص المطلق بكثير، وهي التي يسمونها كيڨاليا
Kaivalya
أو التجلي الأعظم، بل ربما خيف على صانع الخوارق أن يفسد كل ما صنع إذا أعجبته قدرته على تسخير الطبيعة فاغتر بها واسترسل فيها؛ لأنه لا يزال محصورا في «أنانيته» الباطلة، كلما أعجبته السيطرة وأحب المزيد منها، وإنما ينفعه صنع الخوارق لسبب واحد، وهو تثبيت يقينه بالسير على الهدى في طريق الخلاص، وأنه قد بلغ إلى مرتبة ينتقل منها إلى المرتبة التي تليها، وهي غاية الغايات التي تسمو إليها قداسة الإنسان.
ومتى ترقى القديس إلى مرتبة الخلاص فهنالك يلتقي بالروح الإلهي خالصا مجردا من علاقات كل مادة وكل محسوس، ويلمح الحقيقة المجردة التي تضل عنها الحواس والعقول، وينتقل إلى سماء من السعادة المطلقة لا توصف، ولا تقبل الوصف بالكلمات ولا بالأفكار؛ لأن الكلام مقيد بالفكر، والفكر لا ينطلق من جميع القيود، ويطيب للقديس أن يستعيد هذه اللحظات كلما استطاع، وهو لا يستطيعها في كل حين.
وقد كان غاندي يصلي ليستعيد هذه السعادة، ولا ينتظر شيئا غيرها من الصلاة، ولم يعنه قط أن يصنع الخوارق أو يسيطر على قوانين الطبيعة؛ لأن الخوارق لا تقصد لذاتها، ولا تراد إلا على سبيل البرهان، ولا حاجة بالمتثبت إلى برهان.
وكان يود لو ينقطع للصلاة مدى حياته، ولكنه كان يعلم أن لقاء الروح الإلهي مدى الحياة أمر يفوق الطاقة الإنسانية، فكان يتزود منها بغاية ما يطيق، ويؤثر هذا الزاد على كل زاد فيه غذاء للجسد، أو غذاء للعقل، أو غذاء للروح.
صفحة غير معروفة