رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
الناشر
دار السلام للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
تصانيف
الصورة، وإن لم يكن مجموعا في مكان واحد.
وكان ﷺ يرشدهم إلى الطريقة المثلى في الكتابة -بوحي من جبريل ﵇ فقد روي أنه ﷺ قال لمعاوية: "ألق الدواة ١، وحرّف القلم، وأقم الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسّن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم".
قال القاضي عياض -بعد أن أورد الحديث: "وهذا وإن لم تصح الرواية أنه ﷺ كتب، فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع القراءة والكتابة"٢.
وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف: "ولا ينافيه ما قيل: إن النبي ﷺ كان أميا لم يتعلم الكتابة؟ لأن الإملاء بالتلقين على هذا النحو لا يستلزم تعلم الكتابة بالمعنى الذي نفي عنه ﷺ فإن الأول إيحاء وإعلام محض بهجاء الكتابة ورقومها بدون تعلم وكسب، والثاني تعلم كسبي، وعمل يدوي، كما يتعلم أحدنا مبادئ الكتابة ثم يقرأ ويكتب، وإنما لم يتعلم ﷺ الكتابة أو يكتب لئلا يظن أنه مصنف القرآن، فيرتاب في أمره، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ٣.
فالكتابة لم تقع منه ﷺ لا عن وحي ولا تعلم، ولا عن غريرة ينشأ عنها نظم الكتابة كما ينشأ الشعر عن سليقة العربي"٤.
والذي لا خلاف عليه بين العلماء: أن القرآن الكريم كتب بين يدي النبي ﷺ، وأقر الصحابة ﵃ على هذه الكتابة، والتقرير أحد أقسام السنة، وهو حجة عند المحدثين والأصوليين، فلو كان هناك خطأ في الكتابة لما أقرهم على ذلك، لأنه يناقض صريح قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ .
قال صاحب كتاب "الإبريز" نقلا عن شيخه عبد العزيز الدباغ: "رسم
١ أي: أصلح مدادها. ٢ انظر: تفسير القرطبي "١٣/ ٣٥٣". ٣ سورة العنكبوت الآية "٤٨". ٤ عنوان البيان في علوم التبيان ص٤٣.
1 / 65